باب القول في قضاء الصيام
  بقضاء الدين يدل على أنه يجزي، وقوله: «الله أحق أن يعفو ويغفر» يدل على التقصير والإساءة؛ لأن العفو والغفران يكونان للإساءة والتقصير، وكذلك تشبيهه بقضاء الدرهم والدرهمين يدل على ذلك؛ لأنه يكره للرجل أن يقضي ما عليه الدرهم والدرهمين مع القدرة على القضاء جملة وتوجه المطالبة عليه بالجميع، ويكون مسيئاً بفعله ذلك.
  وأخبرنا محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن شعيب، قال: حدثنا أحمد بن هارون، عن ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي # قال: (من كان عليه صوم رمضان فليصمه متصلاً ولا يفرقه)، فدل ذلك على الاستحباب.
  فإن قيل: هلا استدللت به على الإيجاب؟
  قيل له: ليكون ذلك جمعاً بينه وبين ما رويناه عن النبي ÷.
  ويدل على ذلك قول الله تعالى: {فَعِدَّةٞ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۖ}[البقرة: ١٨٤]، وقرأ أُبي: «فعدة من أيام أخرَ متتابعات»، وهذه القراءة وإن لم يرد الخبر بها وروداً يوجب العلم، فإنه يوجب العمل فدل ذلك على التتابع على ما ذكرناه.
  على أنه قد ثبت أن القضاء للفرض والنفل يوجب أن يكون سبيله سبيل المقضي في جميع أصول العبادات، وقد ثبت أن التتابع ليس بشرط في صحة الصوم؛ بدلالة أن من أفسد يوماً منه لم يفسد سائره، وإذا ثبت أن التتابع ليس بشرط في صحة أداء صوم شهر رمضان لم يجب أن يكون شرطاً في صحة القضاء، وإذا لم يكن شرطاً في الصحة دلت الآية والخبر المروي عن أمير المؤمنين # على أن تركه مكروه مع الإجزاء.
  فأما إذا أفطر أياماً متفرقة وقضاها مجتمعة فهو أفضل؛ لدلالة الآية والخبر عليه؛ إذ ليس فيهما أن ذلك إذا كان ما فات مجتمعاً؛ ولأنه مبادرة إلى رد الواجب ومسارعة إليه، فهو أولى.