باب القول في كيفية وجوب الحج وذكر فروضه
مسألة: [في أن وجوب الحج ساقط عن الكبير الذي لا يثبت على الراحلة]
  قال القاسم #: فرض الحج زائل عن الشيخ الكبير والعجوز اللذين لا يثبتان على الدابة والراحلة، ولا(١) يقدران [أن](٢) يسافَر بهما في محمل؛ لأنهما للحج غير مستطيعين، فإن حجا عن أنفسهما أو حج عنهما أحد فحسن.
  وهذا منصوص عليه في مسائل النيروسي، ورواه يحيى في الأحكام(٣).
  والأصل فيه: أن الصحة شرط في وجوب الحج؛ لقوله تعالى: {وَلِلهِ عَلَي اَ۬لنَّاسِ حَجُّ اُ۬لْبَيْتِ مَنِ اِ۪سْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاٗۖ}[آل عمران: ٩٧]، ومن يكون مفارقاً لحال الصحة بحيث لا يثبت على الراحلة لا يكون مستطيعاً، فوجب ألا يلزمه الحج.
  فإن قيل: فإن النبي ÷ فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة.
  قيل له: كونهما مرادين بالآية لا يمنع كون الصحة مرادة بها.
  فإن قيل: فقد قلتم: إن قوله ÷ جرى مجرى البيان لها، فلا يجب أن يكون مقصوراً على بعض المراد.
  قيل له: إذا كان الإشكال حصل في بعض المراد فلا يمتنع أن يكون البيان بياناً له، وكون الصحة من جملة الاستطاعة مما لا يقع فيه إشكال؛ إذ هو معلوم من طريقة اللغة والعرف، فكأنه قصد ÷ إلى بيان ما أشكل دون ما ظهر واتضح.
  فإن قيل: من يمكنه فعل الشيء بغيره لا يمتنع أن يقال: إنه مستطيع له، ألا ترى أن القائل يقول: فلان يستطيع(٤) البناء، وهو يريد أنه يستطيعه(٥) بغيره.
  قيل له: هذا ضرب من المجاز، والمجاز لا يثبت مراداً إلا بالدليل.
(١) في (أ، ج): فلا.
(٢) ما بين المعقوفين من الأحكام.
(٣) الأحكام (١/ ٢٨٩).
(٤) في (ب): مستطيع.
(٥) في (أ، ب، ج): مستطيعه.