باب القول في كيفية وجوب الحج وذكر فروضه
  فأما ما يدل على أن الحج يتم دونه فقوله ÷: «الحج عرفات، فمن أدرك عرفة قبل الفجر فقد أدرك الحج»، وفيه دليل من وجهين:
  أحدهما: أن قوله: «الحج عرفات» لا يخلو من أن يريد به كمال الحج، أو يريد به استكمال الأركان التي لا يتم الحج دونها، أو يريد امتناع طروء الفساد على الحج، وقد علمنا أنه ÷ لم يرد كمال الحج؛ إذ قد ثبت أن الرمي والكون بمزدلفة والبيتوتة بمنى من الحج، فلم يبق إلا أن يريد استكمال الأركان التي لا يتم الحج دونها أو يريد امتناع طروء الفساد عليه، وأيهما أراد ÷ ففيه دليل على أن الحج يتم دونه.
  والوجه الثاني: قوله ÷: «من أدرك عرفة قبل الفجر فقد أدرك»، فجعل الوقوف إلى آخر جزء من الليل مجزئاً، وقد علمنا أن من وقف في ذلك الوقت لم يلحق المشعر في وقته، فدل أيضاً أن الحج يتم دون الوقوف بالمشعر.
  ويدل على ذلك: ما أخبرنا به أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «كانت سودة امرأة ثبطة ثقيلة، فاستأذنت النبي ÷ أن تفيض من جَمْع قبل أن تقف بالمشعر، فأذن لها، ولوددت أني كنت استأذنت فأذن لي»، فلما أذن لها في ترك الوقوف بالمشعر علمنا أن الحج يتم دونه؛ لأن ما لا يتم الحج دونه لا رخصة في تركه للمعذور وغير المعذور.
  ويدل على ذلك أيضاً: ما روى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي $: (أن النبي ÷ قدَّم النساء والصبيان وضعفة أهله في السحر، ثم أقام هو حتى وقف بعد الفجر)(١).
(١) مجموع الإمام زيد بن علي # (١٦١).