باب القول فيما يجب على المحرم من الكفارات
  لأنا لم نجد في شيء من الأصول أقيم إطعام مسكينين مقام صوم يوم واحد، فلما كان حكمه وارداً بخلاف حكم الأصول كان الاعتبار الذي اعتبرناه أولى من الاعتبار بحكمها.
  فإن قيل: فما الدليل على أن الاعتبار الذي ذكرتم أولى من اعتبار قيمة الشاة والطعام، أو اعتبار قيمة الصيد والطعام؟
  قيل له: الدليل على ذلك أنا وجدنا الجزاء الذي هو الهدي لا يدخله التقويم [فكذلك الإطعام](١) قياساً عليه، والمعنى أنه جزاء صيد له مثل مطلوب، فكل جزاء صيد له مثل مطلوب لا يدخله التقويم.
  وأيضاً وجدنا كفارة الأذى متى عدل فيها من جنس إلى جنس عدل بغير تقويم، فوجب أن تكون كذلك كفارة قتل الصيد، والعلة أنها كفارة قتل.
  فإن قيل: فكيف قستم على فدية الأذى وقد قلتم: إن حكمها ورد مخالفاً لحكم الأصول؟
  قيل له: إنما أردنا بذلك حكماً واحداً، وهو تقدير الصيام بالإطعام والنسك، فأما في الوجه الذي قسنا عليه فلم نقل ذلك، كيف والكفارة كلها شاهدة لما ذكرناه، ألا ترى أن كفارة القتل وكفارة الظهار وكفارة اليمين وكفارة صيام شهر رمضان متى عدل في شيء منها إلى جنس لم تعتبر فيه(٢) القيمة؟
  ومما يؤكد ما ذهبنا إليه أن اعتبارنا يستند إلى النص، واعتبارهم يستند إلى اجتهاد بعد اجتهاد، والاعتبار المستند إلى النص يجب أن يكون أقوى من الاعتبار المستند إلى الاجتهاد، كما أن النص أقوى من الاجتهاد، يكشف ذلك أنا رجعنا في اعتبارنا إلى الصيام المنصوص عليه في بدل الشاة، وهم رجعوا في اعتبارهم إلى تقويم الجزاء أو الصيد على حسب الخلاف فيه، والتقويم ضرب
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (أ). وفي (ج): فكذلك الجزاء الذي هو الإطعام لا يدخله التقويم.
(٢) في (د): فيها.