شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيما يجب على المحرم من الكفارات

صفحة 526 - الجزء 2

  وقد بينا أن الذي يلزم لحرمة الحرم هي القيمة، وأن سبيلها في باب اللزوم والأداء سبيل الكفارات، وسنبين الكلام بعد هذه المسألة في أن على القارن جزاءين، والذي يجب أن يبين في هذا الباب هو أن الجماعة من المحرمين لو اشتركوا في قتل صيد فعلى كل واحد منهم جزاء، وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك، وهو المروي عن الشعبي والحسن.

  وروي عن عطاء أن عليهم جزاءً واحداً، وهو قول الشافعي.

  والدليل على ذلك قول الله تعالى: {لَا تَقْتُلُواْ اُ۬لصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٞۖ وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعَمِّداٗ فَجَزَآءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ اَ۬لنَّعَمِ}⁣[المائدة: ٩٧]، و «مَنْ» من ألفاظ العموم الموجبة للاستغراق، فاقتضى العموم إيجاب الجزاء على كل من يحصل قاتلاً للصيد وهو محرم، اجتمعوا أو تفرقوا.

  فإن قيل: فإن الله تعالى أوجب فيه جزاءً واحداً بقوله: {فَجَزَآءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ اَ۬لنَّعَمِ}⁣[المائدة: ٩٧]، فوجب أن يكون الذي يلزم لقتل كل صيد جزاءً واحداً.

  قيل له: أوجب جزاء واحداً على كل قاتل صيد بقوله: {وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعَمِّداٗ فَجَزَآءُ}⁣[المائدة: ٩٧]، كما أوجب على كل قاتل مؤمن رقبة بقوله: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَـٔاٗ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٖ}⁣[النساء: ٩١]، فكان الحكم راجعاً إلى كل واحد من القاتلين، فكذلك المذكور في آية الصيد، يبين ذلك أن قائلاً لو قال: «من دخل الدار⁣(⁣١) ألبسته ثوباً» كان الثوب المذكور - وإن كان واحداً - راجعاً إلى كل من دخل الدار، ولم يجب أن يشترك جماعة الداخلين في الثوب الواحد، فكذلك يجب أن يكون جزاء الصيد. على أن الجزاء مصدر، وهو لا يختص بعدد، فلا معنى لقولهم: إنه أوجب مثلاً واحداً.

  ومما يدل على ذلك: أنه كفارة قتل، فوجب ألا يقع فيها الاشتراك؛ دليله كفارة قتل المؤمن.


(١) في (ب، د): داري.