باب القول في صفة الطلاق وتنوعه
مسألة: [في أن الطلاق لا يتبع الطلاق إلا أن تتخلهما رجعة]
  قال: والطلاق لا يتبع الطلاق إلا أن تتخللهما الرجعة.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام والمنتخب(١). وقال القاسم #: إن الطلاق قد يتبع الطلاق، وإلى ذلك ذهب أكثر الفقهاء في التطليقة الرجعية، فأما البائن فقول الشافعي فيه مثل قولنا، وقال أبو حنيفة: يتبعها الطلاق.
  والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله تعالى: {اِ۬لطَّلَٰقُ مَرَّتَٰنِۖ فَإِمْسَاكُۢ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُۢ بِإِحْسَٰنٖۖ}[البقرة: ٢٢٩] [فخير سبحانه بعد الطلاق المذكور بين إمساك بمعروف أو تسريح](٢) الذي هو الطلاق الثالث، فوجب أن يكون وقتهما وقتاً واحداً وحالهما حالة واحدة؛ لأن ذلك مقتضى التخيير، ألا ترى أن التخيير لما وقع بين الكفارات الثلاث كان موقعها ووقتها واحداً، وكذلك جزاء الصيد؟ فإذا ثبت ذلك وثبت أن الإمساك لا يكون إلا بعد الرجعة وجب ألا يكون التسريح الذي هو الطلاق الثالث إلا بعد الرجعة، فإذا ثبت ذلك في الطلاق الثالث ثبت في الثاني؛ إذ لم يفصل أحد بينهما.
  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المراد بقوله تعالى: {فَإِمْسَاكُۢ بِمَعْرُوفٍ} إنما هو الرجعة، فيكون الإنسان مخيراً بين أن يطلق أو يراجع، فلا يجب أن يكون الطلاق الثالث بعد الرجعة؟
  قيل له: هذا يسقط من وجهين:
  أحدهما: أن الإمساك ليس بعبارة عن الرجعة، إنما هو عبارة عن قيامه لها بما يلزمه، ألا ترى أنه لا يمتنع أن يقال: فلان راجع أهله ولم يمسكها؟ ولو كان الإمساك [عبارة عن الرجعة لكان ذلك متناقضاً، فتبين أن الإمساك](٣) ليس
(١) الأحكام (١/ ٤١٠) والمنتخب (٢٦١).
(٢) ما بين المعقوفين من تعليق ابن أبي الفوارس.
(٣) ما بين المعقوفين من (أ)، وهو في بقية النسخ منقول في هامشها عن شرح القاضي زيد.