باب القول في المياه
  معنى له؛ لأنا لا ننكر أنا قد تعبدنا بإزالة النجاسة عن الأواني التي نريد استعمال ما فيها من المائعات.
  فإن قيل: التعبد إنما هو بغسلها فقط، لا لإزالة النجس عنها.
  قيل له: ذلك ادعاء إلى ما لا سبيل إلى إثباته؛ إذ قد بينا ما يقتضيه ظاهر الأمر في الغسل والتطهير في الشريعة، مع أنه قد ثبت أنا قد أمرنا بإراقة ذلك الماء مع ثبوت النهي عن إضاعة المال، فلولا أنه كان نجساً لم يجب ذلك.
  ويمكن أن يقاس ذلك على سائر الأنجاس المائعة من الخمر وغيرها بوجوب إراقته، فكل مائع يلزم إراقته تجب نجاسته، وهذه علة صحيحة يوجد الحكم بوجودها ويعدم بعدمها، ويعضدها تعليل النبي ÷ في سؤر الهر بقوله: «إنه ليس بنجس».
  ويجوز أن تقاس الآنية على سائر الجمادات التي لا يجب غسل شيء منها إلا من النجاسة، فكل ما وجب غسله منها وجب أن يكون نجساً.
  وليس يصح تعليل من يعلل طهارة الكلب بجريان الروح؛ لأن الخنزير ينقضه، ولأنه لا دليل على صحة هذه العلة، على أنها لو ثبتت لكان تعليلنا أولى؛ لكونها حاظرة، ومؤدية إلى الاحتياط، وشهادة الأصول لها.
  فإن قيل: فإن الله قد أباح لنا أن نأكل ما عض الكلب عليه من الصيد بقوله: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ ...} الآية [المائدة: ٤]، فثبت بذلك أن ما عض عليه الكلب لا يصير نجساً، وإذا ثبت أن ذلك لا يصير نجساً ثبت أن سؤره أيضاً لا يصير نجساً.
  قيل له: إن ذلك لا يدل على أنه لا يجب غسل ما عض عليه الكلب، كما أنه لا يدل على أنه لا يجب غسله مما عليه من الدم، ألا ترى أن الله تعالى أباح أكل ما ذكيناه بقوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ}[المائدة: ٣]، وهذا لا يدل على أنه لا يجب أن يغسل موضع التذكية مما عليه من الدم؟