شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الهبات والصدقات

صفحة 499 - الجزء 4

  فأما ما عدا العقار فقد اختلف في وقفه، فلم يجزه أبو يوسف ومحمد، إلا في الخيل تحبس في سبيل الله فإنهما أجازاه، وكذلك البقر والعبد يوقف مع الضيعة لمصالحها وعمارتها، فيكون ذلك وقفاً على سبيل التبع وإن كان لا يصح إفراده بالوقف.

  ويجوز عند الشافعي الوقف في الرقيق والماشية وغيرهما مما يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها. وهو مذهب أصحابنا.

  والدليل على ذلك أن النبي ÷ قال لعمر: «حبس أصلها وسبل ثمرتها»⁣(⁣١) فأمر بتحبيس ما ينتفع به⁣(⁣٢)، وأمر بتسبيل ما لا يكون⁣(⁣٣) الانتفاع به إلا في الاستهلاك، فصار ذلك أصلاً لما ذهبنا إليه. فأما الخيل وتحبيسها فهو مما لا يختلف فيه، وروي ذلك عن علي # وعن ابن عباس، ولا نحفظ فيه خلافاً عن أحد من السلف.

  ويدل على ذلك قول رسول الله ÷: «الخيل ثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى آخر وزر، فأما الذي له أجر فالذي يحمل عليها في سبيل الله».

  وعمومه يقتضي جواز حبسها للحمل عليها في سبيل الله. وروي عنه ÷ أنه قال: «أما خالد فقد حبس أدراعه وأفراسه في سبيل الله» فصح الوقف في الدرع والفرس.

  وأما وقف المصاحف والكتب فقد اشتهر بين المسلمين لا يتناكرونه ولا يردون شيئاً منها على الأطفال من ورثة الواقف، فصار ذلك إجماعاً منهم، فثبت بهذه الجملة صحة ما قلناه.

  فأما جوازه غير مؤبد فسيجيء القول فيه.


(١) أخرجه النسائي (٦/ ٢٣٢) وابن ماجه (٢/ ٨٠١).

(٢) لفظ شرح القاضي زيد: فأمر بتحبيس ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه.

(٣) في (هـ): يمكن.