باب القول في الوقف
  قد مضى الكلام أن ورثة الموقوف عليه أولى بالوقف بعده إذا لم يذكر مصرف الوقف بعده، فأما إذا انقرض الورثة فالواقف أولى به؛ لتعلقه به، ألا ترى أن صدقة عبدالله بن زيد ردت إليه بعد موت أبويه، واحتمل ذلك أن تكون ردت إليه لكونه وارثاً، واحتمل أن تكون لكونه واقفاً، فحملنا الأمر على كل واحد منهما، وقدمنا الوارث لما بيناه، ثم جعلنا الواقف بعده أولى. ويمكن أن يقال: لو لم نجعله للواقف وجب أن نجعله لسائر المسلمين، وهو أولى به؛ لتعلقه به واختصاصه بولايته، كما نقول في ذي الرحم: [إنه](١) أولى بالإرث، وفيمن غلب العدو على ماله، وفي وصية من لا وارث له، وموالاة الحربي.
  على أن ذكر المصرف إذا ثبت أنه إليه فهو له(٢) إن شاء صرفه إلى نفسه وإن شاء إلى غيره كما كان له ذلك حين وقف.
  وإذا صار هو الأولى كان ورثته بعده هم الأولى به على ما مضى من(٣) القول.
  وإنما جعلناه لورثة الموقوف عليه إلى عشر سنين لأن هذه المدة هي المدة التي يتعلق(٤) بها حق الموقوف عليه، وهو منقطع بعدها إذا كان ذلك شرط الواقف. وهذا يدل على أن ما عرف من شرط الواقف لا يجوز أن يغير الوقف عنه على مذهبه، وهو مما لا أحفظ فيه خلافاً إذا كان الشرط مما يجوز أن يشترط.
مسألة: [فيمن جعل أرضه لمقابر المسلمين]
  قال القاسم #: ولو أن رجلاً جعل أرضه لمقابر المسلمين لم يجز له أن يرجع فيها، إلا أن يكون ذلك أكثر من ثلث ما يملكه فله أن يمسك الثلثين على نفسه ثم يمضي الثلث لما جعل له.
(١) ما بين المعقوفين من شرح القاضي زيد.
(٢) في شرح القاضي زيد: فهو إن شاء.
(٣) «من» ساقط من (أ، ب، ج، د).
(٤) في (هـ): تعلق.