كتاب الحدود
  والثاني: ما روي أن اليهود لما جاءوا إلى النبي ÷ يسألونه عن حد الزاني فقال: «الرجم إن كان محصناً»، فأوجب الرجم بشرط الإحصان، وفي بعض الأخبار أنهم سألوا عن حد المحصن إذا زنى، فبطل قولهم: إن الإحصان لم يكن شرطاً إذ ذاك.
  فإن قيل: يجوز أن يكون النبي ÷ رجم اليهوديين بحكم التوراة وإن لم يكن ذاك من شريعة له.
  قيل له: هذا الإطلاق لا يطلقه في النبي ÷ وفي شريعته من أشفق على دينه؛ لأن النبي ÷ لا يجوز أن يريق الدماء إلا بأمر الله ø، ولو جاز ذلك لجاز أن يقال في كثير من أفعاله وأحكامه: إنه فعله بحكم من تقدمه، وإنه ليس بشريعة له، وهذا خروج عن الدين بواحدة.
  على أن الذي نذهب إليه أن حكم التوراة لازم له ما لم ينسخ عنه، وأنه يكون شريعة له، فإن شيئاً منه لو صح اليوم ألزمنا حكمه حتى يثبت نسخه. على أن المسلمين وإن اختلفوا في هذا فلا يختلفون أنه إذا عمل به صار شريعة له، فبان أن هذا سؤال من لا يبالي بدينه.
  فإن قيل: روي أن النبي ÷ قال: «من أشرك بالله فليس بمحصن»(١).
  قيل له: يجوز أن يكون أراد غير الإحصان(٢)؛ للأدلة التي بيناها، فقد بينا فيما تقدم أن الإحصان ينصرف على وجوه.
  فإن قيل: فقد روي أن النبي ÷ قال لكعب بن مالك حين استأذن في نكاح الكتابية: «إنها لا تحصنك».
  قيل له: المراد عندنا هو تحريم نكاحهن على المسلمين.
(١) أخرجه الدارقطني في السنن (٤/ ١٧٩) والبيهقي في السنن الكبرى (٨/ ٣٧٥).
(٢) كذا في المخطوطات.