باب القول في حد السارق
  شيء من ذلك ووجب حفظه في القبر دون ما سواه علم أنه حرزه لا حرز له سواه.
  فإن قيل: الناس يحفظون كثيراً من دراهمهم في الأكمام، وقد قلتم: إن الكم ليس بحرز، فما أنكرتم أن القبر ليس بحرز للميت وإن كان الميت يحفظ فيه.
  قيل له: الفرق بينهما أن للدراهم والجواهر وما شابهها ما يجوز أن يكون حرزاً سوى الكم، وكان حفظ هذه الأشياء في الأكمام على سبيل الندرة، فلم(١) نجعله حرزاً لها، والميت لا حرز له سوى القبر، فلو لم نقل: إنه حرز له كنا قد أضعناه(٢) ولم نحفظ جثته، وهذا فاسد، فبان أن القبر حرز له لا حرز له سواه.
  فإن قيل: الكفن لا يجعل في القبر ليحرز به، وإنما يجعل فيه ليبلى.
  قيل له: هذا غلط، وإنما جعل الميت والكفن في القبر ليحرزا فيه وإن كان عاقبتهما إلى البلى، وليس المقصد البلى، ألا ترى أن الإنسان يلبس الثوب ليستر به نفسه، وليس يقصد أن يبلى عليه وإن كان البلى عاقبته؟ وكذلك الدار يبنيها الإنسان ليسكنها وإن كان عاقبتها الخراب؟ فكذلك الكفن، يبين ذلك أن الغرض لا يتعلق ببلاه على وجه من الوجوه.
  فإن قيل: الكفن لا يكون ملكاً، فكيف يقطع به؟
  قيل له: هو على ملك الميت، ألا ترى أن نباشاً لو أخذه ورد التراب على الميت(٣) أو أكل بعض السباع جثته لزمه أن يرده إلى الوارث، وصار ملكاً لهم، فبان أنه ما دام على الميت على ملكه.
  فإن قيل: الملك يتعلق بالخصومة.
  قيل له: يجوز لوارثه أن يخاصم عليه عنه، وإن لم يكن جاز أن يخاصم عنه
(١) في (أ، ب، ج، د): لم.
(٢) في (أ، ب، ج، د): كنا قد قلنا إنا أضعناه.
(٣) «على الميت» ساقط من (ب، د).