باب القول في القسامة
  على الظن أنه مات حتف أنفه، فلا وجه لإيجاب الدية والقسامة. ولأن القسامة على ما بينا تتعلق بحصول حال الظنة والتهمة، وأقل ما له(١) تحصل الظنة والتهمة أن يعلم أنه مقتول، فإذا لم يحصل العلم بأنه مقتول فكيف تتوجه الظنة على الذين وجد فيهم؟
  على أن النبي ÷ قضى بالقسامة في القتيل، فما لم يعلم أنه قتيل فكيف يقضى فيه بالقسامة؟ وقد قال الشافعي: إذا أنكر الرجل كونه في جملة الذين وجد القتيل فيهم لم يحكم عليه بالقسامة إلا أن تقوم البينة على أنه كان فيهم، فكيف يوجب القسامة لميت لا أثر فيه وهذا أقوى في انتفاء القتل عنه من انتفاء(٢) كون المدعى عليه فيهم؟ بل العلة في الجميع أن حال التهمة لم يحصل فلم يكن للقسامة وجه؛ لأن الرجل ما لم يعلم أنه حضر وقت وجود القتيل فيهم لا يحصل له حال الظنة، كذلك ما لم يعلم أنه قتل لا يحصل للقوم حال التهمة والظنة.
مسألة: [في القتيل يوجد بين الذميين]
  قال: وإذا وجد القتيل بين الذميين كانت القسامة عليهم، والدية على عواقلهم، فإن لم تكن لهم عواقل ففي صلب أموالهم(٣).
  وذلك أن أصل القسامة كان في أهل خيبر، وكانوا يهوداً، فثبت وجوب القسامة على الذميين. على أن حقوق الآدميين لا تختلف فيها أحكام [أهل] الملة وأهل الذمة، وهذا مما لا أعرف فيه خلافاً.
  وقلنا: إن لم يكن لهم عواقل فالدية في أموالهم لما بيناه فيما مضى من أن العاقلة تتحمل عنهم ما لزمهم، فإذا لم يكن لهم من العاقلة من يتحمل عنهم وجب أن يرجع عليهم.
(١) في (هـ): به.
(٢) كذا في المخطوطات.
(٣) المنتخب (٥٩٤).