شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيما تضمن به النفس وغيرها وما لا تضمن

صفحة 380 - الجزء 5

  الجناية، والنصف الباقي هدر؛ لأنه فعل الجناية على نفسه، ألا ترى أنه لو قتل نفسه لكان دمه هدراً؟ فكذلك إذا شارك غيره في قتل نفسه يجب أن يكون نصف ديته هدراً.

  وقلنا: ليس للعاقلتين أن يتقاصا لأن العاقلة قد تكون من لا يستحق الإرث، والدية للوارث، وتلزم عاقلة الجاني، فإذا كان ذلك كذلك كان من يستحق الإرث غير من يلزمه العقل، فلم يجز أن يتقاصا؛ لأن المقاصة تكون بين رجلين إذا كان ما يجب على كل واحد منهما حقاً لصاحبه دون من سواه.

  قال: فإن كان الحبل لأحدهما وجذبه الآخر من غير أن يكون له جذبه كانت دية صاحب الحبل على مجاذبه، وبطلت دية المجاذب⁣(⁣١).

  وذلك أن صاحب الحبل لما تعلق بحبله صار المجاذب له متعدياً في فعله، فلزمه لصاحب الحبل نصف الدية للوجه الذي قلناه، ولم يجب للمجاذب له دية؛ لأنه كان متعدياً في جذب الحبل، وصاحب الحبل لو لم يمكنه أخذ حبله منه إلا بجرحه وقتله لم يلزمه أرش ولا دية، فكذلك إذا مات بالجذب.

  فإن قيل: فلم قلتم: إن لصاحب الحبل نصف ديته، والمجاذب له متعد عليه؟

  قيل له: وإن كان متعدياً عليه فلم يستبد بسبب قتله، بل شارك صاحب الحبل فيه، فلم يلزمه إلا نصف الدية، ألا ترى لو أن رجلاً عدا خلف سارق سرق متاعه ليستنقذه منه فسقط من عدوه ومات كانت ديته هدراً؛ لأن عدوه كان باختياره وإن كان حقاً؟ فكذلك جذب الحبل كان باختياره وإن كان فيه محقاً، فوجب أن يكون نصف ديته هدراً على ما بيناه.


(١) المنتخب (٦٠٩، ٦١٠).