شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في أحكام الوصايا

صفحة 470 - الجزء 5

  قيل له: نحن بنينا المسألة على رجلٍ مات ولم يخلف إلا ثلاثمائة درهم، وأوصى لرجل بمائة وخمسين درهماً، ولآخر بمائة درهم، فكيف يبلغ المال المبلغ الذي ذكرتم؟ على أن هذا الفصل وإن كان صحيحاً فلا يمتنع من الجمع بينهما بالعلة التي ذكرنا⁣(⁣١).

  فإن قيل في الأصل الثاني: إن الوصية للجميع ثابتة؛ لأنه لم يتجاوز بواحدة منهما⁣(⁣٢) الثلث، فصح أن يتضاربوا في الثلث، وليس كذلك حال الموصى له بما زاد على الثلث؛ لأن الوصية به غير صحيحة؛ لأنها وصية بمال الوارث.

  قيل له: كيف يكون ذلك وعندكم أن الورثة إن أجازوه ملكه الموصى له دون الورثة؟ على أن الوصية لكل واحد منهم بالثلث فما دونه أيضاً مما لا يصح على ما أوصى به؛ إذ لا بد من نقص كل واحد منهم عن المسمى له، ومع هذا تضاربوا في الثلث، فكذلك ما اختلفنا فيه.

  ويمكن أن يجعل العول أصلاً لهذا الباب؛ بأن يقال: لما لم يمكن إيصال الجميع إلى المسمى له في الإرث وجب أن يضرب الجميع في المال على قدر ما سمي لكل واحد منهم، فكذلك الوصية. ويكشف ذلك كله بأن يقال: إن الوصية تضمن أمرين: أحدهما: أن يزاد الموصى له على الثلث، والثاني: أن يحصل بين الذين أوصي لهم فيما يصيبهم التفاوت المعين. فلما منع الشرع أن يزادوا على الثلث إذا امتنع منه الورثة منعناه، واتبعنا فيه قول الله ø: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٖ جَنَفاً أَوْ إِثْماٗ فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِۖ}⁣[البقرة: ١٨١] ولما لم يمنع الشرع من التفاوت في القسمة بينهم أمضينا الوصية بالتفاوت على ما أوصى بها، واتبعنا قوله: {فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعْدَ مَا سَمِعَهُۥ} الآية [البقرة: ١٨١].


(١) في (ب، د، هـ): ذكرناها.

(٢) في (هـ): منها.