باب القول في الصلح
  وقلنا: إن الضامن لا يرجع بما ضمن إذا كان ضمن بغير أمر المصالح عنه لما بيناه في باب الضمان.
  وإن كان الصلح وقع على معنى الإبراء من البعض وضمن المصالح الباقي بغير إجازتهم صح الضمان لذلك القدر وإن بطل الصلح؛ لأن ذلك واجب عليهم. وهذا يدل على أن مذهبه أن الإبراء يصح إبطاله بالرد، كما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه؛ لأنه أطلق أن الصلح [عن الغير] لا يصح إلا بإذن المصالح عنه، ومن جملة الصلح الإبراء، وهذا هو الإبراء الذي يقتضي التمليك.
  ووجهه: أنه يتضمن معنى الهبة [لأنه إذا أبرأ من عليه الدين فكأنه ملكه الدين الذي في ذمته، فهو في معنى الهبة](١) فيجب أن يصح فيه الرد كما يصح رد الهبة. فأما الإبراء الذي لا يتضمن التمليك كالطلاق والعتاق(٢) وإبراء الضامن وإبراء الشفيع، وإبراء البائع من عيب يجده المشتري في السلعة - فإن رده لا يصح؛ لأنه لا(٣) يقتضي تمليك شيء، ولا يحصل له معنى الهبة، فيجب أن يكون واقعاً من غير اعتبار قبول المبرأ أو رده، ولهذا قالوا: إن صاحب الحق لو أبرأ المضمون عنه فرد الإبراء بطل، ولو أبرأ الضامن فرد الإبراء لم يبطل؛ لأن إبراء المضمون عنه يقتضي معنى التمليك، وإبراء الضامن لا يقتضي إلا إسقاط المطالبة.
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٢) لفظ شرح القاضي زيد: فإن كان الإبراء مما لا يقتضي التمليك كإبراء المشتري من حق الشفعة وإبراء البائع من عيب المبيع وإبراء الضامن مما ضمنه فإنه يصح ولا يبطل بالرد، إلى أن قال: لنا أن ما يتضمن معنى التمليك فإنه يجري مجرى الهبة، إلى أن قال: وجه الثانية أن الذي لا يقتضي التمليك فإنه مجرد إسقاط فلا يبطل بالرد كالطلاق والعتاق.
(٣) «لا» ساقط من (أ، ج).