شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في التفليس

صفحة 348 - الجزء 6

  وذهب عامة العلماء إلى أن الحر لا يؤاجر [وعليه دل قول يحيى #؛ لأنه قال: أكثر ما عليه أن ينجم الحاكم عليه⁣(⁣١)، ولم يذكر أنه يؤاجره]⁣(⁣٢)، وحكي عن مالك أنه يؤاجر.

  والأصل فيه قول الله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَيٰ مَيْسُرَةٖۖ}⁣[البقرة: ٢٧٩]، فجعل حكم المعسر الإنظار، ولم يكلفه الاكتساب.

  وروي في الرجل الذي ابتاع الثمار فأصيب فيها⁣(⁣٣) فكثر دينه، فقال رسول الله ÷: «تصدقوا عليه»، فتصدق [الناس] عليه، فلم يبلغ ذلك [وفاء دينه]، فقال: «خذوا ما وجدتم، ليس لكم إلا ذلك»⁣(⁣٤).

  وروي أيضاً أن غرماء معاذ التمسوا معاذاً من رسول الله ÷ ليسلمه إليهم، فقال بعد ما باع عليه ماله: «ليس لكم إلا ذلك»⁣(⁣٥)، فدل ذلك على أن الحر لا سبيل عليه في نفسه، وقد بينا أيضاً أن المرأة لا تجبر على النكاح فتحصل المهر للغرماء، وأن الرجل لا يكره على الخلع ليأخذ المهر للغرماء، وكذلك ولي المقتول لا يجبر على الرضا بالدية، فكذلك سائر المنافع الحاصلة بالاستئجار؛ لأنها أعواض منافع الحر.

  فإن قيل: روي عن النبي ÷ أنه باع سُرَّقاً في دين له⁣(⁣٦)، ولم يثبت أنه باع رقبته، فثبت أنه باع منافعه.

  قيل له: في الخبر ما يدل على أنه ÷ باع رقبته، إلا أن ذلك منسوخ بما ذكرنا من الآية والأثر. على أنه وإن ثبت أنه باع منافعه فقد ثبت معارضه.


(١) الأحكام (٢/ ١٢٠).

(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د، هـ).

(٣) في (أ، ب، ج، د): منها.

(٤) أخرجه مسلم (٣/ ١١٩١) وأبو داود (٢/ ٤٨٣).

(٥) أخرج نحوه البيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٨٣).

(٦) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ١٥٧).