باب القول في الضوال واللقط
  ويدل على ذلك أنه لا خلاف في أنه لو وضعها في غير المكان الذي أخذها منه [يكون ضامناً لها، فكذلك إذا وضعها في المكان الذي أخذها منه](١) لزمته، والعلة أنه عرضها للتلف. وأيضاً قد ثبت أنها أمانة في يده، فوجب أن يلزمه حفظها إلى أن تصل إلى صاحبها، أو نقول: فلا يجوز تركها في البرية؛ دليله الوديعة، أو يقال: فيجب أن يضمنها بترك حفظها، أو بتخليتها في البرية، مثل الوديعة.
  فإن قيل: إنه إذا ردها إلى مكانها يكون إنما ترك التبرع؛ لأنه كان متبرعاً بأخذها، وتارك التبرع لا ضمان عليه، كمن أعار غيره دابة ليحمل عليها متاعه ثم استرجعها لم يضمن المتاع، وكالمودع إذا رد الوديعة وترك إمساكها لم يلزمه ضمانها.
  قيل له: قد يتبرع الإنسان بالشيء ثم يلزمه حكم بعد التبرع، وقد دللنا على أن الملتقط يلزمه الحفظ بعد الالتقاط، فسقط هذا السؤال، يبين ذلك أن أخذ الوديعة تبرع، ثم يلزمه الحفظ.
  فإن قيل: فإذا ردها إلى مكانها سقط عنه الحفظ.
  قيل له: الأمكنة في هذا الباب لا تأثير لها، ألا ترى أن المعير دابته له أن يسترجعها في أي مكان شاء، وكذلك المودع له أن يردها على صاحبها في أي موضع شاء؟ وقد يتبرع الإنسان بحمل غيره في السفينة ثم لا يجوز له إخراجه عنها(٢) في اللجة، فلو كان الملتقط يجوز له أن يترك الحفظ لجاز له أن يتركها بأن يضعها في أي موضع شاء كالمعير والمودع، فقد بان أن الأمكنة لا تأثير لها في هذا الباب، وإنما المراعى التعريض للتلف، ألا ترى أن المودع والملتقط قد يتركان الوديعة واللقطة في حرز ولا يضمنان، لما لم يكن فيه تعريض للتلف أو إضاعة للحفظ؟
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د، هـ).
(٢) في (هـ): منها.