باب القول في التوجه وفي البقاع التي يصلى عليها وإليها
  وقال فيه: إنه يتتبع القبلة، ويدور إليها بدوران السفينة.
  والمراد به الفرض؛ إذ لا خلاف في أن النفل يجوز أن يؤديه قاعداً من قدر على القيام في جميع الأحوال.
  وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يجوز له أن يصلي قاعداً وإن أمكنه القيام.
  والوجه لصحة ما ذهبنا إليه قوله الله تعالى: {وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ ٢٣٨}[البقرة]، فأمر بالقيام، ولم يخص حالاً من حال(١).
  وأيضاً فلا خلاف أن من صلى على البر قاعداً وهو يقدر على القيام أنه لا تجزئه صلاته، فكذلك من صلى في السفينة قاعداً وهو يقدر على القيام، والعلة أنه ترك القيام مع القدرة عليه على ما(٢) أمر به، وأيضاً فإن القيام مقيس على الركوع والسجود في الفرض؛ لأنه ركن من أركان الصلاة كالركوع والسجود، فكما لا يجوز له ترك الركوع والسجود مع التمكن منهما فكذلك القيام.
  فإن قاسوه على النوافل بعلة أنها تفعل وهي سائرة كان قياسنا أولى؛ لأن الفرض أشبه بالفرض، وأركان(٣) الصلاة بعضها ببعض أشبه من الفرض بالنفل؛ ولأن الاحتياط مع قياسنا، وكذلك الحظر.
  فإن قالوا: فإن الحال حال العذر، فله أن يترك القيام مع التمكن منه، كالمسافر لما كان حاله حال العذر جاز له ترك الصيام مع التمكن منه.
  قيل له: هذا فاسد بالمريض، وذلك أن حاله أيضاً حال العذر وليس له أن يترك القيام مع التمكن منه.
  فإن قيل: إنه يخشى من دوران الرأس على راكب السفينة.
  قيل له: إن غلب في ظنه أن ذلك يؤديه إلى الضرر جاز له أن يصلي قاعداً؛ لأنه في
(١) في (أ): حالاً دون حال.
(٢) في (ب): كما.
(٣) في (أ، ب، ج): وإن كانت.