كتاب الصلاة
  وروي عن عبدالرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله ÷ يقول: «إذا شك أحدكم في صلاته فشك في الواحدة والثنتين فليجعلهما واحدة، وإذا شك أحدكم في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثاً حتى يكون الوهم في الزيادة»(١).
  قلنا: نستعمل الأخبار كلها، فنقول: من أمكنه التحري يتحرى ويعمل على غالب الظن، ومن كثر شكه وتعذر عليه التحري يبني على الأقل، وهذا أولى من استعمال خبر البناء وإسقاط خبر التحري؛ لأنه أخذ بهما.
  فإن قيل: فنحن أيضاً نتأول خبركم فنقول: إن المراد بقوله: «فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب» هو أمر بالبناء على اليقين؛ لأن ذلك هو الصواب.
  قيل له: هذا الذي ذكرتموه ينافي ظاهر الحديث؛ لأن المطلوب بالتحري هو غالب الظن دون اليقين، وأيضاً لو قال ذلك لكان تقديره اعمل بما هو الواجب، وهذا الكلام لا يختص هذه المسألة، بل يصح أن يقال ذلك لكل سائل، ولا يكون قد أجيب عن سؤاله، وبأن الإفتاء به لا يكون جواباً عن مسألة بعينها، وهو يعرى الكلام عن الفائدة، فلا يصح حمله عليه، على أن الخبرين جميعاً قد رويا عن أبي سعيد الخدري عن النبي ÷، وأفتى هو بالتحري، فيجب أن يكون الخبران عنده صحيحين، وحملهما جميعاً على الصحة يقتضي ما ذهبنا إليه من استعمال أحدهما في وجه واستعمال الآخر في وجه آخر.
  فإن قيل: استعمالنا أولى؛ لأنه يؤدي إلى أداء الفرائض على اليقين.
  قيل له: ليس الأمر على ما ذكرت، وذلك أن المؤدي فرض الصلاة قد أخذ
= فَالْبِنَاءُ عَلَى اليَقِينِ هُوَ أَوْلَى وَأَحْوَطُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعَمَلِ بِالأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَلِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الوَاجِبِ بِيَقِينٍ، مَعَ أَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرَ الْمُتَعَمَّدَةِ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ، وَلَا مَعْنَى لِلْنَّظَرِ بَعْدَ وُرُودِ الأَثَرِ.
وَلَا يَخْفَى عَلَى الإِمَامِ الْمُؤَيَّدِ بِاللَّهِ # مِثْلُ هَذَا، وَلَكِنَّهُ كَمَا ذَكَرْنَا قَدْ يَسْتَدِلُّ بِمَا أَمْكَنَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاجِحٍ عِنْدَهُ، وَخِلافَ مَذْهَبِهِ، هَذَا مَعْلُومٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَمَا القَصْدُ إِلَّا التَّنْبِيهُ عَلَى الصَّوَاب، وَإِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ الْمَرْجِعُ وَالْمَآب.
(١) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (١/ ٤٣٣).