شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في زكاة ما أخرجت الأرض

صفحة 109 - الجزء 2

  وظهور بنائه في القريب والبعيد، والقاصي والداني، فلذلك لم يختلف الناس فيه، وهذه طريقة في الأخبار صحيحة؛ ألا ترى أن في الناس من يقع لهم العلم بخبر إذا عنوا به أو دفعوا إلى سماعه، وإن لم يقع لآخرين لم يعنوا به ولم يدفعوا إلى سماعه؟ ولهذا نجد أهل كل بلد يعلمون من أحوال سواد ذلك البلد ونواحيه ما لم يعلمه الآخرون، وإن كان الجميع يشتركون في العلم بمكة ومصر.

  ويدل على ذلك: ما روي فيما أظنه عن النبي ÷ أنه قال: «أصغر الصاعين صاعنا».

  ويدل على ذلك أن ما قلناه أقل ما قيل فيه، وهو ثابت بالإجماع، ولا يمكن أن يزاد إلا بدليل، ولا دليل عليه. على أنه لا خلاف في أن الوسق ستون صاعاً، والصاع متى حمل على ما ذهب إليه أبو حنيفة - وهو ثمانية أرطال - لم يحمل الوسق على الإبل العراب في غالب العادة⁣(⁣١)، والوسق هو ما يحمل على الإبل.

  وأيضاً روي أن النبي ÷ أمر في فدية⁣(⁣٢) الأذى بفَرَق من تمر، وروي ثلاثة أصواع على ستة مساكين، فوجب أن يكون الصاع ثلثه، وهو خمسة أرطال وثلث؛ لأن الفرق فيما قيل ستة عشر رطلاً.

  فإن قيل: صاع عمر ثمانية أرطال، ولا يجوز أن يكون عمر اتخذ صاعاً مخالفاً لصاع النبي ÷ بحضرة المهاجرين والأنصار.

  قيل له: لم يثبت أنه اتخذ ذلك الصاع للكفارات والصدقات، وإنما جعل ذلك الصاع لهم ليتعاملوا به ويتبايعوا به، وهذا جائز غير ممتنع؛ إذ جائز لكل أحد أن يتخذ مكيالاً يتبايع به بعد أن يكون معلوماً مشهوراً.

  فإن قيل: روي عن مجاهد أنه قال: حزرت صاع النبي ÷ فحزرته ثمانية أرطال.


(١) في (أ): الأحوال.

(٢) في (ب، ج) ونسخة في (أ): صدقة.