شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الصوم

صفحة 284 - الجزء 2

  فإن قيل: روي عن أبي هريرة عن النبي ÷ أنه قال: «من أصبح جنباً فلا صوم له»⁣(⁣١).

  قيل له: قد قال بعض الناس: إن الاحتجاج بهذا الخبر لا يصح، وذلك أن في الحديث أن عائشة أنكرت ذلك لما بلغها، وقالت: كان رسول الله ÷ يصبح جنباً من غير احتلام ثم يصوم يومه، فلما سمعه أبو هريرة، قال: كنت أسمع من الفضل بن العباس، فأحال الخبر على الميت بعدما رواه عن النبي ÷.

  وهذا الطعن غير سديد، ولا واقع؛ لأن أكثر ما فيه أنه أسنده بعد الإرسال، والصحيح أن يقال في تأويله: إن المراد بقوله: «من أصبح جنباً» من أصبح مخالطاً؛ بدلالة سائر ما اعتمدناه.

  ويدل على ذلك أيضاً أن الجنابة من حيث كانت جنابة لا تنافي الصوم؛ ألا ترى أن من احتلم في نهار الصوم لا يفسد صومه مع حصول الجنابة؟ فإذا كان ذلك كذلك، وكان من أخر الغسل إلى حين الصبح لم يكن أكثر من حصول الجنابة له في نهار الصوم، فوجب ألا يفسد صومه.

  ويمكن أن يورد ذلك على طريق القياس، بأن يقال: إنه حصول جنابة من غير اختيار فعل سببها في حال الصوم، فوجب ألا يفسد صومه؛ قياساً على الاحتلام نهاراً.

  أو يقاس على من بدره القيء، بمعنى أن طروءه على الصوم لا يفسده، فوجب ألا يفسد الصوم بطروئه عليه، وكذلك الجنابة. ويمكن أن يقاس على الحيض؛ بعلة أنه موجب للغسل، فوجب أن يستوي حكم طروئه على الصوم وطروء الصوم عليه، فكذلك الاجتناب.


(١) أخرجه البخاري (٣/ ٣٠)، ومسلم (٢/ ٧٧٩).