باب القول فيما يفسد الصيام وفيما لا يفسده وفيما يلزم فيه الفدية
  وعذر ففيه الفدية مع القضاء.
  وهذا عندي مما يبعد؛ لأنه خلاف الإجماع؛ إذ لا يحفظ عن أحد أنه فرق في هذا الباب بين من أفطر في الأصل لعذر أو لغير عذر؛ لأن الناس فيه على قولين: فقائل يقول: إن عليه الفدية وإن كان أفطر لعذر، وقائل يقول: لا فدية وإن كان أفطر لا لعذر، ولأن إطلاق لفظ الأحكام يقتضي بعمومه المعذور وغير المعذور، والصحيح عندي أنهما روايتان مختلفتان، وما في المنتخب من تخصيص المعذور بالذكر فالسبب فيه أنه جواب صدر على حسب السؤال، والسائل سأل عن المعذور؛ لا أنه(١) أراد الفضل بين المعذور وغير المعذور.
  فوجه ما في الأحكام قوله تعالى: {وَعَلَي اَ۬لذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدْيَةُ}[البقرة: ١٨٣]، فالكناية في قوله: {يُطِيقُونَهُۥ} لا يخلو من(٢) أن يكون راجعاً إلى الصيام أو الإطعام، وأي ذلك كان مراداً فعمومه يوجب الفدية على كل من أفطر وهو مطيق لأيهما كان، سواء قضى ما فاته قبل رمضان آخر أو لم يقضه، فلما خُص من قضى قبله بالإجماع لزم من سواه الفدية بحكم العموم.
  وقد روي هذا القول عن ابن عباس وأبي هريرة(٣).
  وأخبرنا محمد بن العباس، قال: حدثنا محمد بن شعيب، قال: حدثنا أحمد بن هارون، عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان، عن حسين(٤)، عن أبي علي الرحبي، عن عكرمة، قال: سُئل الحسن بن علي @ مقدمه من الشام عن رجل مرض في رمضان فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر، قال: «يصوم هذا، ويقضي ذلك، ويطعم عن كل يوم مسكيناً».
(١) - في (أ، ج): لأنه.
(٢) في (أ): إما.
(٣) رواه عنهما الدارقطني في السنن (٣/ ١٧٩، ١٨٠) وعن أبي هريرة عبدالرزاق في المصنف (٤/ ٢٣٤).
(٤) قوله: «سفيان عن حسين عن أبي علي الرحبي» فالصواب: سفيان بن حسين عن أبي علي الرحبي، وهو سفيان بن حسين الواسطي. (كاشف).