كتاب الصوم
  ولا خلاف أن من دخل في الحج وأحصر وتحلل [منه](١) أن عليه الفدية مع القضاء، فكذلك من عليه صوم رمضان ثم لم يقضه حتى دخل عليه رمضان آخر، والمعنى أنه عبادة يدخل في جبرانها المال بتأخرها(٢) عن وقتها المخصوص.
  فإن قيل: لسنا نسلم أن لقضائه وقتاً محصوراً يتضيق.
  قيل له: ندل على ذلك، ولا يمتنع القياس بوصف مدلول عليه، كما لا يمتنع بوصف متفق عليه، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَيٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۖ}[البقرة: ١٨٤]، فاقتضى قوله تعالى: {فَعِدَّةٞ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۖ}[البقرة: ١٨٤] إيجاب القضاء عقيب الإفطار لوجهين: أحدهما: أنه بمعنى الأمر، والأمر على الفور.
  والثاني: أنه قال: {فَعِدَّةٞ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۖ}[البقرة: ١٨٤]، والفاء توجب التعقيب، فلما أجمعوا أن له تأخير القضاء إلى أن يدخل(٣) شهر رمضان من قابل قلنا به، وبقي ما بعده على حكم الفوات.
  وروي عن عائشة أنها قالت: «كان يكون عليَّ القضاء من رمضان فلا أقضيه حتى يدخل شعبان؛ اشتغالاً برسول الله ÷»(٤). ففيه دليل على أن شعبان آخر وقت القضاء، فإنها(٥) أخبرت بذلك بعلم(٦) رسول الله ÷ بقولها: كنت أفعل ذلك اشتغالاً برسول الله ÷، ومثل هذا(٧) لا يخفى عليه.
(١) ما بين المعقوفين من (ب، د).
(٢) - في (أ، ب، د): فتأخر.
(٣) أي: يشارف الدخول، وهو أن لا يبقى إلا ما يسع المضي. (من هامش ب).
(٤) أخرجه البخار ي (٣/ ٣٥)، ومسلم (٢/ ٨٠٢).
(٥) في (أ، ب): وأنها.
(٦) في (أ): فيعلم.
(٧) في (أ): ذلك.