باب القول في قضاء الصيام
  والمعنى فوات(١) الصوم بزوال العقل. وليس ينتقض ذلك بمن لا يكون زوال عقله طارئاً؛ لأنا عللنا لأن نجعل حكم الجنون حكم الإغماء ونسوي بينهما.
  فإن قيل: لا نسلم أن(٢) المغمى عليه زائل العقل.
  قيل له: ذلك جهل لمعنى العقل؛ لأن العقل ليس هو أكثر من حصول العلوم الضرورية، وقد علمنا أن المغمى عليه داخل في هذا الباب من الجنون. على أنا لو جعلنا العلة في ذلك زوال العلوم الضرورية جاز، فلا وجه لتعلقهم بذلك.
  وأبو حنيفة يوافقنا على أنه إذا جن ثم أفاق في بعض الشهر لزمه قضاء ما جُنَّ فيه، فكذلك إذا أفاق بعد مضيه، والمعنى أنه فاته الصوم بجنون عارض.
  فإن قاسوه على الصبي بعلة أنه يستحق به الولاية كان منتقضاً بمن أفاق في بعض الشهر. على أن قياس الجنون على الجنون وعلى الإغماء أولى من قياسه على الصبي؛ لأن الجنون والإغماء لا ينافيان الصوم، وليس كذلك الطفولية؛ لأنها تنافي الصوم. على أن الإغماء عندنا إذا طال كان مثل الجنون في استحقاق الولاية، فلا وجه للتفرقة به.
  على أن إيجاب القضاء لا ينفصل في شيء من المواضع بين الكل والبعض؛ لأن الصبا والكفر إذا زالا فلا يجب قضاء بعض الشهر ولا كله، والحيض والنفاس والإغماء والمرض إذا زالت وجب قضاء البعض والكل من الشهر، فكان(٣) ما قلناه من التسوية بين زوال الجنون في بعض الشهر وآخره.
مسألة: [في أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام لا يقضي ما أفطر حال ردته]
  قال: ولو أن رجلاً ارتد عن الإسلام سنين فلم يصم ثم رجع إلى الإسلام لم يلزمه قضاء ما أفطر في حال ردته.
(١) - في (أ، ب، د): جواز.
(٢) - في (أ، ج): لأن.
(٣) في (ب، ج): أو آخره.