باب القول في الاعتكاف و [القول في] ليلة القدر
  ويجوز فيه ما يجوز في الصوم» عاطفاً على قوله: «ولا يجوز للمعتكف غشيان النساء في ليل ولا نهار»، فبان أنه أراد به(١) الجماع وما جرى مجراه دون الأكل والشرب وما جرى مجراهما؛ إذ من المعلوم أن الأكل والشرب ليلاً لا يفسدان الاعتكاف؛ إذ لو أفسداه لم يصح اعتكاف أيام كثيرة، فأما إذا أفسد الصوم بالأكل ونحوه نهاراً فسد اعتكافه؛ إذ لا اعتكاف إلا بالصوم، فتحصيل المذهب في الجماع ونحوه: أن الجماع في الفرج - وإن كان ليلاً - يفسد الاعتكاف، أنزل أو لم ينزل، كما أنه يفسد الصيام إذا وقع نهاراً، وما عدا ذلك من المباشرة في غير الفرج والقبلة أو اللمس أو النظر(٢) إن كان معه إنزال فسد به الاعتكاف كما يفسد الصوم، وإن لم يكن معه إنزال لم يفسد الاعتكاف كما لا يفسد الصوم.
  والأصل في ذلك: قوله تعالى: {فَاءَلْٰنَ بَٰشِرُوهُنَّ ...} الآية [البقرة: ١٨٦]، فكانت المباشرة التي أريدت بالآية هي المباشرة التي تفسد الصيام؛ لقوله تعالى: {حَتَّيٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ اُ۬لْخَيْطُ اُ۬لْأَبْيَضُ مِنَ اَ۬لْخَيْطِ اِ۬لْأَسْوَدِ مِنَ اَ۬لْفَجْرِۖ}[البقرة: ١٨٦]، لأن ما عداها من المباشرة التي لا تفسد الصوم مباح له بعد الفجر، ولأن ذلك مما لا خلاف فيه، فبان بما ذكرناه من الإجماع ومقتضى الآية أن الإباحة ليلاً كانت للمباشرة للصوم، قال تعالى بعد ذلك عاطفاً: {وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَٰكِفُونَ فِے اِ۬لْمَسَٰجِدِۖ}[البقرة: ١٨٦]، فمنع المعتكف ما كان سبحانه أباح للصائم ليلاً من المباشرة، فكانت المباشرة المحظورة على المعتكف هي المباشرة التي تفسد الصيام، فصح بذلك ما ذهب إليه يحيى #. على أنه لا خلاف أن المجامعة في الفرج تفسد الاعتكاف، فيجب أن يكون جميع ذلك مفسداً له إذا وقع على الوجه الذي بيناه، قياساً على الجماع، والمعنى أنه حصول جنابة تفسد الصوم إذا وقع فيه. ولا خلاف أن اللمس بغير شهوة لا يفسد الاعتكاف، فوجب ألا
(١) «به» ساقط من (د).
(٢) في (د): والنظر.