شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحج

صفحة 341 - الجزء 2

  والثج»⁣(⁣١)، وعلى هذا سقط السؤال في هذه اللفظة.

  فإن قيل: فالمحرم شرط للمرأة في لزوم الحج، وهو لم يذكر في خبر الاستطاعة، فما أنكرتم أن يكون ذلك سبيل القوة؟

  قيل له: نحن لم نوجب عليها الحج بوجود المحرم إذا لم يكن زاد وراحلة، فكذلك لا نوجب الحج بوجود القوة إذا لم يكن زاد وراحلة.

  فإن قيل: قد قال الله تعالى لإبراهيم #: {وَأَذِّن فِے اِ۬لنَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاٗ ...} الآية [الحج: ٢٥]، وأنتم تقولون: إن شرائع الأنبياء $ تلزمنا ما لم يثبت فيها النسخ، على أنه تعالى قال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اِ۪تَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ}⁣[النحل: ١٢٣].

  قيل له: ليس فيه إيجاب الحج بغير الزاد والراحلة على الإطلاق، وإنما أخبر تعالى أنهم يأتون رجالاً، وليس في الآية أن ذلك واجب عليهم. على أنه يحتمل أن يكون المراد أن من قرب من مكة يأتي راجلاً، فأما من كان من الفجاج العميقة فإنه يأتي راكباً، وهذا نص مذهبنا.

  ولا خلاف أن من أمكنه المشي الضعيف - وإن كان يصل به إلى مكة بزمان طويل ومشقة شديدة - لا يلزمه الحج إذا عدم الزاد والراحلة، فكذلك من أمكنه المشي القوي، والعلة أنه قطع مسافة بعيدة لقضاء نسك الحج.

  والراحلة قياس على الزاد، والعلة أنها بعض استطاعة الحج.

  وقياسنا أولى من قياسهم أهل الفجاج العميقة على سكان الحرم بعلة أنه مستطيع لقوته؛ لأن قياسنا مستند إلى قوله تعالى: {وَعَلَيٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ ٢٥}⁣[الحج]، وإلى قوله ÷: «هي الزاد والراحلة»؛ لأن القول بخلافه يؤدي إلى ألا يتعلق الحج بالزاد والراحلة إلا لمن لا يستطيع الحج بنفسه؛ لأن كل من استطاع الحج بنفسه أمكنه المشي إلى مكة ولو بزمان بعيد، وهذا خلاف الإجماع.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٣/ ٣٧٣)، والترمذي (٢/ ١٨١).