كتاب الحج
  عذره ÷، على أنه يحتمل أن يكون وجه العذر ما علم من الصلاح في مقامه في المدينة؛ لإظهار كلمة الحق، ودعاء ما حولها، ويجوز أن يكون غير ذلك.
  وقد قيل: إنه امتنع من الحج لأن المشركين كانوا يطوفون عراة، فلم يجز أن يراهم على تلك الحال، فامتنع لذلك، وجملة الأمر أن معرفة العذر بعينه لا يجب علينا، ويكفي أن يكون ذلك مجوزاً.
  فإن قيل: فإن المسلمين يتركون النكير على من أخره لغيره عذر، فكان ذلك جارياً مجرى الاتفاق بينهم على جواز تأخيره.
  قيل له: ترك النكير يجوز أن يكون لأنهم لا يعرفون أن من أخره أخره لغير عذر، ويجوز أن يكون لأن المسألة فيها للاجتهاد مسرح، وما جرى هذا المجرى فلا يجب النكير فيه، على أن المسلمين قد تركوا النكير على أكثر المنكرات لا لرضى، بل لمعاذير يطول ذكرها، فهذا كان دأبهم مذ قبض النبي ÷ إلى يومنا هذا.
  وهو قياس على الصيام؛ لأنه عبادة للمال فيها مدخل، وعلى الزكوات بعلة أنها عبادة يتعلق فرضها بالمال، فوجب ألا يجوز تأخيره عن وقت وجوبه مع القدرة عليه وزوال العذر. وهذا القياس أولى من قياسهم [على(١)] جواز تأخير الخروج إلى مدة يمكن(٢) فيها لحوق الحج؛ لأن هذا ليس بتأخير للحج على التحقيق. على أن قياسنا يتضمن الحظر، فهو أولى، وفيه الاحتياط والمسارعة إلى أداء الواجب، واستناد إلى قوله تعالى: {۞سَارِعُواْ إِلَيٰ مَغْفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمْ}[آل عمران: ١٣٣]، وقوله: {أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِے اِ۬لْخَيْرَٰتِ}[المؤمنون: ٦٢].
(١) ما بين المعقوفين مظنن به في (د).
(٢) في (أ، ج): لا يمكن. وهو غلط.