شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحج

صفحة 345 - الجزء 2

  هو المفتقر إلى الدليل. على أن التخيير إذا احتاج إلى إثبات وجود⁣(⁣١) بدل لم يقتضه لفظ الإيجاب يكون أولى بالافتقار إلى الدليل من التضييق الذي لا يقتضي إلا إيجاب ما أوجبه اللفظ.

  ومما يدل على أن وجوب الحج على التضييق: ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «من مات ولم يحج مات ميتة جاهلية»، وفي بعض الأخبار: «فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً»⁣(⁣٢)، فثبت بذلك أنه يكون عاصياً إذا مات ولم يحج، فليس يخلو كونه عاصياً من أحد أمرين: إما أن يكون بالموت، وذلك لا يجوز؛ لأنه فعل الله في العبد، والعبد لا يجوز أن يصير⁣(⁣٣) عاصياً بفعل الله تعالى، أو يكون عاصياً بالتأخير، فلما لم يجز أن يصير عاصياً بالموت لم يبق إلا أن يكون عاصياً بالتأخير، وهذا يقتضي إيجابه.

  فإن قيل: روي عن النبي ÷ أنه أمر مناديه بأن ينادي: «ألا إن رسول الله حاج، فمن أراد الحج فليحج»، فعلقه بالإرادة، فدل ذلك على جواز التأخير.

  قيل له: لا يمتنع أن يكون المراد به من أراد الحج لوجوبه، وتعليقه بالإرادة لا يمنع تضيق الوجوب، كما لا يمنع الوجوب.

  فإن قيل: لو كان وجوب الحج مضيقاً لم يؤخره النبي ÷ إلى سنة عشر⁣(⁣٤)، وفي تأخيره وتأخير أصحابه إياه دليل على أن وجوبه على التخيير.

  قيل له: هذا لو ثبت أنه ÷ أخره لا لعذر، فأما إذا لم يثبت ذلك فلا يصح ما ادعيتموه؛ لأنا لا نمنع من جواز تأخيره لعذر، وليس علينا أن نعرف


(١) في (د): وجوب.

(٢) اللفظ الأول لم أجده، وهذا أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٥٤٦) والدارمي (٢/ ١١٢٣).

(٣) في (ب): يكون.

(٤) رواه مسلم (٢/ ٨٨٧) عن جابر بن عبدالله قال: إن رسول الله ÷ مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج. ورواه أبو داود (٢/ ٤٨).