شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في كيفية وجوب الحج وذكر فروضه

صفحة 355 - الجزء 2

  ويحتمل أن يكون المراد بقوله ÷ - إن صح الحديث - أنهما قد يكونان فريضتين واجبتين بالنذر، على أن أكثر ما في هذا أن يعارض حديثَنا حديثَ جابر، فيسقط⁣(⁣١) ويسلم لنا سائر ما ذكرناه من الأحاديث.

  فإن قيل: فقد روي عن سمرة أن النبي ÷ قال: «أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وحجوا واعتمروا»⁣(⁣٢)، والأمر يدل على الوجوب.

  وفي حديث زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي $ قال: قال رسول الله ÷: «يا أيها الناس، عليكم بالحج والعمرة»، وذلك أيضاً يقتضي الوجوب.

  قيل له: الخبران محمولان على أن المراد بالأمر الندب؛ للأدلة التي ذكرناها.

  فإن قيل: روي أن النبي ÷ سئل عن الإسلام، فذكر الصلاة وغيرها ثم قال: «وأن تحج وتعتمر»⁣(⁣٣).

  قيل له: لا يمتنع كثير من العلماء من القول بأن النوافل من جملة الإسلام، ولا يمتنع ذلك عندنا، ولا حجة للقوم فيه.

  فإن قيل: روي عن النبي ÷: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»⁣(⁣٤) فدل ذلك على وجوبها.

  قيل له: هذا لأن نستدل به أولى من أن تستدلوا به؛ لأن المراد أن الحج ينوب عنها، ألا ترى أن أفعال العمرة كلها موجودة في الحج. ولا يجوز أن يكون المراد أن العمرة واجبة كالحج؛ لأن ذلك لا يجعل دخول الحج⁣(⁣٥) في العمرة بأولى من


(١) لفظ شرح مختصر الطحاوي (٢/ ٤٩١): وعلى أن أكثر أحوالهما أن يتعارضا فيسقطان جميعاً ... إلخ.

(٢) أخرجه الطبراني في الكبير (٧/ ٢٦١).

(٣) أخرجه الدارقطني في السنن (٣/ ٣٤١)، والبيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٥٧٠، ٥٧١).

(٤) أخرجه أبو داود (٢/ ٢١) ونحوه مسلم في حديث جابر في صفة حج النبي ÷.

(٥) لعل الأولى العكس، ولفظ شرح مختصر الطحاوي (٢/ ٤٩١): لأنه حينئذ لا تكون العمرة بأولى بأن تدخل في الحج من الحج بأن يدخل في العمرة؛ إذ هما جميعاً واجبان، وكما لا يقال: دخلت الصلاة في الحج؛ لأنها واجبة وجوب الحج.