كتاب الحج
  دخول العمرة في الحج، يكشف ذلك أنه لا يصح أن يقال: دخلت الصلاة في الحج أو دخل الصيام في الحج، وليس يمتنع أن يقال: دخل الوضوء في الغسل، يراد به أن الغسل ناب عنه على مذهب من يرى ذلك، ويقال: إن أحد الحدين دخل في الآخر، إذا ناب أحدهما عن صاحبه. وإذا ثبت ذلك ثبت أن من حج لم تلزمه العمرة، ولا قول بعد ذلك إلا القول بأنها سنة وليست بواجبة.
  فإن قيل: قول الله تعالى: {وَأَتِمُّواْ اُ۬لْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِۖ}[البقرة: ١٩٥] يدل على وجوب العمرة.
  قيل له: هو أمر بالإتمام، وليس فيه دليل على وجوب الابتداء؛ لأنه يصح أن يقال: أتم الحج النفل، وأتم العمرة النافلة، وأتم الصلاة النافلة(١)، فالأمر بالإتمام لا يقتضي إيجاب الابتداء، فتكون الفائدة في ذلك إيجاب الإتمام بالدخول فيهما.
  فإن قيل: فالأمر بالشيء يقتضي أنه أمر بما لا يصح إلا به، والإتمام لا يصح إلا بالابتداء، فالأمر به يتضمن الأمر بالابتداء، فيحصل الابتداء بالعمرة واجباً.
  قيل له: هذا كان يجب لو ثبت أن من لم يدخل في العمرة مخاطب بالإتمام، فأما وذلك لم يثبت، وإنما خاطب من دخل فيها، فلا يجب ما ذكرتم، وهذا كما تقول: أوف بالنذر، فإنه يوجب الوفاء إذا تقدم النذر، ولا يوجب ابتداء النذر، وإن كان الوفاء بالنذر لا يصح إلا بتقدم النذر.
  فإن قيل: ولم قلتم: إنه خطاب يختص من دخل فيها؟
  قيل له: لأن الظاهر في الأمر بالإتمام أنه لا يستعمل إلا فيمن ابتدأ أو شرط أن يبتدئ، كما لا يقال: «أوف بالنذر» إلا لمن نذر أو مع إضمار ابتداء النذر، فيكون تقديره: إذا نذرت فأوف بالنذر، فعلى أحد هذين الوجهين يجب أن تحمل الآية.
(١) يعني: ولو كان الأمر بالإتمام يقتضي وجوب الأصل لما صح أن يقرن بالنافلة؛ لأن الوجوب ينافي كونه نافلة.