باب القول فيما ينبغي أن يفعله المفرد والقارن والمتمتع
  ولا خلاف أن الوقوف والإحرام لم تجعل الطهارة شرطاً فيهما، فكذلك الطواف، والمعنى أنه ركن من أركان الحج. وهو قياس سائر العبادات، بمعنى أن الكلام لا يحرم فيه، فوجب ألا تكون الطهارة شرطاً فيه، ويقوي علتنا هذه سائر ما يختص الحج من الذكر وغيره.
  فإن قيل: فإن النبي ÷ سمى الطواف صلاة بقوله: «الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله ø أباح لكم أن تتكلموا فيه»(١)، ثم قال ÷: «لا صلاة إلا بطهور»، فوجب أن ينتفي الطواف بغير طهور.
  قيل له: اسم الصلاة يتناول الطواف على سبيل(٢) المجاز، بدلالة أنه إذا أطلق لم يعقل في الشريعة إلا العبادة المخصوصة ذات الركعات والسجدات، والمجاز لا يدخل في الخطاب إلا بالدليل، فلم يجب أن يكون الطواف مراداً بقوله: «لا صلاة إلا بطهور».
  فإن قيل: إن النبي ÷ طاف على طهارة(٣)، وقال: «خذوا عني مناسككم» فدل ذلك على وجوب الطهارة للطواف.
  قيل له: نحن لا ننكر أنها تجب للطواف، وإنما اختلفنا في أنها شرط فيه أم لا، وأنه يجبر بالدم إذا ترك أم لا، وما تعلقتم به إنما يقتضي وجوب الطهارة، وذلك مما لا نختلف فيه، فأما موضع الخلاف فإن هذا الاستدلال لم يتناوله.
  فإن قيل: قوله ÷ لعائشة: «افعلي ما يفعله الحاج غير ألا تطوفي بالبيت»(٤) يدل على أن الطهارة شرط فيه.
  قيل له: لا يدل ذلك على ما ذكرتم، وإنما منعها من الطواف وهي حائض
(١) أخرجه الدارمي في سننه (٢/ ١١٦٥) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٢/ ١٧٨، ١٧٩).
(٢) في (ب، ج) ونسخة في (د): طريق.
(٣) أخرجه البخاري (٢/ ١٥٢)، ومسلم (٢/ ٩٠٦).
(٤) أخرجه البخاري (١/ ٦٨) ومسلم (٢/ ٨٧٣، ٨٧٤).