شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحج

صفحة 464 - الجزء 2

  ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي»⁣(⁣١).

  قيل له: روي في أخبار كثيرة قتل الغراب، فيجوز أن يكون وجه الجمع بين هذا الخبر وبين غيره⁣(⁣٢): أن المحرم مخير بين أن يرميه ولا يقتله وبين أن يقتله، كأنه قال ÷: إن شئت فارمه ولا تقتله وإن شئت فاقتله؛ ليكون ذلك جمعاً بين الأخبار، ولتصير الأخبار كلها كاللفظة الواحدة.

  فأما سائر السباع فلا خلاف أن للمحرم قتلها إذا عدت وخشي ضررها، وإنما الخلاف إذا لم يخش ضررها.

  قال الشافعي: يجوز قتل ما لا يؤكل لحمه.

  وقال أبو حنيفة: لا يجوز قتلها إلا أن تعدوا عليه.

  ووجه ما ذهبنا إليه: قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اُ۬لْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماٗۖ}⁣[المائدة: ٩٨]، وقوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّے اِ۬لصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌۖ}⁣[المائدة: ٢]، والصيد اسم لكل⁣(⁣٣) متوحش الأصل الذي لا يؤخذ إلا على وجه التصيد⁣(⁣٤)، ولا يتميز المأكول من ذلك من غير المأكول.

  فإن قيل: في الآية ما يدل على أن المراد به المأكول؛ لأنه تعالى قال: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ اُ۬لْبَحْرِ وَطَعَامُهُۥۖ مَتَٰعاٗ لَّكُمْ ...} الآية [المائدة: ٩٨]، فكان التحريم من صيد البر كمثل ما أحل من صيد البحر.

  قيل له: هذا لا يجب، وذلك أنه لا يمتنع أن يكون المراد بآية التحليل المأكول من صيد البحر، ويكون المراد بالتحريم من صيد البر ما يتناوله الاسم على طريق العموم، بل هذا هو الواجب؛ لأنه لا يجب أن تحمل بعض الآيات على بعض إذا كان الكل منها يصح أن يستقل بنفسه.


(١) سنن أبي داود (٢/ ٣٥).

(٢) في (أ): بين هذين الخبرين وبين غيره، وفي (ج): بين هذين الخبرين وبين غيرهما.

(٣) في (أ): كل.

(٤) في (د): الصيد.