باب القول في الإحصار وفيمن يأتي الميقات عليلا
  قيل له: لسنا نذهب إلى أن الآية إذا وردت [خطاباً](١) بسبب وجب قصرها عليه، بل يجب أن تكون محمولة على عمومها؛ إذ لا يمتنع أن يخاطبنا الله تعالى خطاباً يشتمل على السبب وغيره ويكون الجميع مراداً وإن كان ورودها صادف حال السبب.
  فإن قيل: ففي سياق الآية ما دل على أن المراد به حصر العدو، وهو أنه تعالى استأنف بعد حكم المرض، فقال سبحانه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِۦ أَذيٗ مِّن رَّأْسِهِۦ فَفِدْيَةٞ مِّن صِيَامٍ}[البقرة: ١٩٥].
  قيل له: هذا لا يمنع من أن يكون المرض مراداً بالآية الأولى؛ إذ لا يمتنع أن يَرِدَ عموم يشتمل على أمور، ثم يذكر بعض تلك الأمور ويذكر له بعدُ أحكاماً لم تقتضها اللفظة الأولى، فإذا ثبت هذا لم يمتنع أن يكون الله تعالى ذكر في الآية الأولى حكم المنع الواقع من جهة المرض وجهة العدو، ثم علم تعالى أن في المرض - مع كونه مانعاً - ما يحتاج معه إلى أمور محظورة بالإحرام، وإن كان في المرض ما لا يحتاج معه إلى ذلك، فبين حكمه، يكشف ذلك أنه سبحانه في الآية الثانية لم يذكر حكم المرض المطلق، وإنما ذكر حكم مرض خاص يحتاج معه إلى أمور يحظرها الإحرام، ونظير هذا أن يقول القائل: «من كان من أهل هذه الدار فليصم غداً تطوعاً»، ثم يقول: ومن كان منهم امرأة ذات زوج فلتستأذن زوجها في التطوع(٢)، [فـ]ـإن قوله: من كانت منهم امرأة ذات زوج لا يدل على أن قوله من كان من أهل هذه الدار لم يشتمل على النساء مع الرجال، فكذلك قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِۦ أَذيٗ مِّن رَّأْسِهِۦ}[البقرة: ١٩٥] لا يدل على أن المرض غير مراد بقوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اَ۪سْتَيْسَرَ مِنَ اَ۬لْهَدْيِۖ}[البقرة: ١٩٥].
  فإن قيل: فقوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي اَ۬لْحَجِّ}[البقرة: ١٩٥]
(١) ما بين المعقوفين من (ب) ونسخة في (د).
(٢) في (ب، د): في التطوع زوجها.