كتاب الحج
  يدل على أن المراد بقوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} حصر العدو؛ لأن الأمن لا يكون إلا من الخوف.
  قيل له: هذا السؤال ساقط؛ لأن الأمن كما زعمت ينبه على زوال الخوف، إلا أن الخوف قد يكون من المرض كما يكون من العدو؛ لأن الإنسان قد يخاف أن(١) يتلفه مرضه إن سار كما يخاف أن يتلفه عدوه، فقد بان أن الأمن قد يكون من خوف المرض كما قد يكون من خوف العدو، وهذا يسقط تعلقهم بما تعلقوا به. على أن الأمن لو كان على ما ادعوا مقصوراً على مقابلة خوف العدو كان لا يمتنع أن يكون تعالى خص(٢) بالذكر والحكم بعض ما يتناوله العموم.
  فإن قيل: لا تعلق لكم بالظاهر؛ لأن الظاهر هو الإحصار، والحكم غير متعلق به، وإنما يتعلق بالمضمر فيه.
  قيل له: الحكم لم يتعلق إلا بالإحصار، وهو المنع والحبس وإن اختلفت وجوههما أو خص منه بعضه، فقد بان أن التعلق به صحيح.
  فإن قيل: فإن الإحصار ظاهر لأحدهما عند أهل اللغة؛ إذ قد فصلوا بين الإحصار والحصر، فلا يمكنكم ادعاء العموم فيه.
  قيل له: نحن لا ننكر أن ظاهره لأحدهما، وهو المرض كما حكي عن أهل اللغة وإن قلنا: العدو مراد به للدلالة، وهذا لا يمنع أن يكونا مرادين جميعاً بالآية، وأن تكون الآية عامة فيهما، وإن عرفنا كون أحدهما مراداً بالظاهر وكون الآخر مراداً بالدلالة.
  ومما يدل على ذلك: ما أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن اليمان، قال: حدثنا محمد بن شجاع، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: أخبرنا الحجاج بن دينار، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني
(١) في (أ): من أن.
(٢) في (أ، ج): أن يكون خص تعالى.