كتاب الحج
  عكرمة، قال: حدثني الحجاج بن عمرو، قال: سمعت النبي ÷ يقول: «من كُسر أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى»، فأوجب الخبر أن الإحلال يتعلق بالكسر والعرج، وهو نص مذهبنا.
  فإن قيل: فأنتم لا تقولون: إن الإحلال يقع بالمرض نفسه؛ إذ لا خلاف في أنه لا يتحلل إلى أن ينحر الهدي عنه.
  قيل له: معناه قد جاز له أن يحل، كما يقول القائل: قد حلت للأزواج، إذا خرجت من عدتها، والمراد قد جاز لها أن تحل للأزواج بالنكاح.
  ولا خلاف أن المنع الواقع من جهة العدو يجيز التحلل، فكذلك المنع الواقع من جهة المرض، والمعنى اعتراض منع يؤدي المقام معه على الإحرام إلى المشقة العظيمة.
  وأيضاً وجدنا التيمم لما كان بدلاً لا يجوز إلا لعذر استوى(١) فيه عذر العدو وعذر المرض، فوجب أن يكون إحلال المحصر كذلك؛ لأنه بدل لا يجوز إلا مع العذر. والأصول شاهدة معنا؛ لأنا وجدنا كل عذر له حكم إذا كان من جهة العدو يكون له ذلك الحكم إذا كان من جهة المرض، نحو الإخلال بأركان الصلاة وترك الحج وإفساد الصوم. على أن عذر جهة المرض يجب أن يكون أقوى من عذر العدو؛ لأن(٢) الخائف للعدو قد يمكنه أن يأتي ما يلزمه في بعض الأحوال مع ضرب من الاحتراز والاستخفاء، ولا حيلة في المرض.
  فإن قيل: قد حصل للمريض أحد الترفيهين، وهو الطيب واللباس إذا احتاج إليهما، فلا يجب أن يحصل له الترفيه الآخر، وهو الإحلال.
  قيل له: والخائف من العدو قد يحصل له هذا الضرب من الترفيه، وهو أنه يلبس الدرع والمغفر إذا احتاج إليهما، كما يحصل للمريض، ولم يمنع ذلك من أن
(١) في (أ، ج): واستوى.
(٢) في (أ): ولأن.