باب القول في الإحصار وفيمن يأتي الميقات عليلا
  وروى هناد بإسناده عن عطاء أنه قال في قوله تعالى: {اَ۬لشَّهْرُ اُ۬لْحَرَامُ بِالشَّهْرِ اِ۬لْحَرَامِ}[البقرة: ١٩٣]: إنها نزلت في أصحاب النبي ÷ يوم الحديبية، فعمرة بعمرة في الشهر الذي صد فيه، فدل بقوله تعالى: {وَالْحُرُمَٰتُ قِصَاصٞۖ}[البقرة: ١٩٣] أن العمرة كانت منه ÷ ومنهم على سبيل القضاء. واشتهار تلك العمرة بعمرة القضاء يدل على ما ذهبنا إليه.
  ولا خلاف أن من فاته الحج فعليه القضاء، فكذلك المحصر، والمعنى أنه يخرج من إحرامه قبل إتمام ما أحرم به(١).
  يؤكد ذلك أنا وجدنا الدخول في الحج والعمرة يوجب المضي فيهما بلا(٢) خلاف فيه(٣)، وفي أنه يصير بمنزلة ما كان واجباً في الأصل في باب الوجوب، فوجب أن يلزمه القضاء متى(٤) خرج منه قبل تمامه لعذر أو لغير عذر كسائر الفرائض اللازمة من الصلاة والصيام.
  فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اَ۪سْتَيْسَرَ مِنَ اَ۬لْهَدْيِۖ}[البقرة: ١٩٥]، ولم يذكر القضاء.
  قيل له: وجب القضاء بسائر الأدلة التي ذكرناها، فصار ذلك كالمنطوق به في الآية.
  فإن قيل: فقد جعل الدم فيه بدل ما فات، فلا وجه للقضاء.
  قيل له: ليس وجوب الدم عندنا على وجه البدل لما فات؛ لأن الدم يجب لخروجه من الإحرام قبل استكمال ما وجب فيه، فأما الفائت فبدله القضاء لا غير، ألا ترى أنا نقول بوجوب الدم على من فاته الحج وإن تحلل بعمرة؟
  فأما أبو حنيفة فإنه كان يقول: إنه إن كان مفرداً للحج فعليه حجة وعمرة،
(١) في (أ، ج): له.
(٢) في (أ، ب، ج): لا.
(٣) «فيه» ساقطة من (ج، د).
(٤) في (أ، ب، ج): القضاء منه متى. وكتب على «منه» في (ب): زائد.