باب القول في الحج عن الميت
  فقضيته كان نافعه»؟ قال: قلت: نعم، قال: «فدين الله أولى»(١).
  قيل له: نحن لا نختلف أنه يصح الحج عن الميت، وإنما الخلاف في الشرط الذي معه يصح، فنجمع بين الآية والخبر فنقول: يصح الحج عنه إذا كان قد أوصى به؛ لأنه قد يكون قد حصل فيه السعي والنية.
  فإن قيل: تشبيهه إياه بالدين يدل على أنه يجزئ وإن لم يكن الميت أوصى به.
  قيل له: تشبيهه إياه بالدين من الوجه الذي قصد لا يوجب كونه مثل الدين من جميع الوجوه، ألا ترى أن قوله ÷ حين سئل عن القبلة للصائم: «أرأيت لو تمضمضت؟»(٢) لم يوجب أن حكم القبلة حكم المضمضة من جميع الوجوه، فلما كان حكمها [حكم المضمضة](٣) في أنها لا تفسد الصيام فكذلك الحج يجب أن يكون حكمه حكم الدين في أن النيابة تصح فيه دون ما سواه؛ لأنه هو المقصد بالكلام.
  ولا يصح تعلقهم بقوله تعالى: {مِنۢ بَعْدِ وَصِيَّةٖ يُوصِے بِهَا أَوْ دَيْنٍۖ}[النساء: ١١]؛ لأن الحج لا يتناوله اسم الدين على الإطلاق.
  ولا خلاف أن الصيام والصلاة إذا فاتا لم يلزما الورثة، فكذلك الحج، والمعنى أنه عبادة تتعلق بالأبدان وتختص المكلف. وليس يعترض عليه الزكاة؛ لأنها لا تتعلق بالأبدان؛ ولأنها لا تختص المكلف؛ لوجوبها في مال اليتيم ومال المجنون، وقولنا: تختص المكلف يجوز أن يكون علة برأسه. وقياسهم الحج على الدين والزكاة يشهد لقياسنا، ألا ترى أن الدين لما لم يكن عبادة ولم يتعلق بالأبدان لزم الورثة إذا كان هناك إرث؟ وكذلك الزكاة لما لم تختص المكلف ولم تتعلق بالأبدان لزمت الورثة.
(١) أخرج نحوه النسائي (٥/ ١١٨) وابن ماجه (٢/ ٩٧١).
(٢) أخرجه أبو داود (٢/ ١٨٠) وأحمد في المسند (١/ ٢٨٥).
(٣) ما بين المعقوفين من (ب، ج).