شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحج

صفحة 571 - الجزء 2

  البر، ولهذا قال أصحابنا من المتكلمين: إن الإنسان يجوز له أن يفعل الواجب لوجوبه عليه وليصل به إلى الثواب، فلم يخرج القربة من أن تكون قربة وإن حصل له فيه⁣(⁣١) غرض آخر، فأما إذا اعتمدوها في الأذان وتعليم القرآن فهي عندنا صحيحة، وإنما لم يجز أخذ الأجرة عليهما لأن النيابة فيهما لا تصح على ما بيناه، على أن من خالفنا في هذه المسألة يصحح المعنى ويمنع اللفظ؛ لأنهم يجوزون أن يدفع إلى الحاج ما يحج به، ثم يضمنونه إن خالف، وهذا هو حكم الأجرة، فما زادوا على أن أوجبوا أجرة مجهولة.

  فإن قيل: فإنه لا يضمن إن خالف تضمين الأجرة، وإنما يضمن كما يضمن من دفع إليه شيء ليصرفه في وجه فصرفه في غيره.

  قيل له: هذا الذي ذكرتم لا يصح عند التحصيل؛ لأنه إذا أعطي نفقة على أن يخرج ويحج فقرن ضمن عند أبي حنيفة، وإن تمتع ضمن في قول أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف، ويكون الضمان لجميع المال، فلو كان ضمانه على ما ذكرتم لوجب ألا يضمن ما أنفقه في الطريق إلى أن أحرم؛ لأنه صرفه إلى ذلك الوقت في الوجه الذي أمر بصرفه فيه، وفي قولهم: إنه ضامن جميع⁣(⁣٢) المال دليل على أن ضمانه ضمان الأجير الأجرة إذا خالف. على أن ما يدفع إلى الحاج لا يخلو إما أن يكون هبة أو إباحة أو أجرة، ولا يجوز أن يكون هبة؛ لأن الحاج يكون إذاً بذلك حاجاً لنفسه، ولا يجوز أن يكون إباحة ولا هبة أيضاً لكونه ضامناً إذا خالف، فلم يبق إلا أنه يكون أجرة، فصح ما ذهبنا إليه [والحمد لله]⁣(⁣٣).


(١) في (د): فيها.

(٢) في (د): الجميع.

(٣) ما بين المعقوفين من (ب).