كتاب الحج
  فإن قيل: فما تنكرون على من قال: إن الحج لا يصح ممن يحج - ولو كان يحج لغيره - إلا إذا أوقعه على وجه يكون قربة؛ بدلالة أنه لا يصح ذلك من الذمي، وإذا ثبت ذلك لم يجز أن يستحق عليه الأجرة؛ لأن الإنسان لا يجوز أن يستحق الأجرة على ما يتقرب به إلى الله تعالى؟ ألا ترى أن مما روي عن النبي ÷ أنه قال لعثمان بن أبي العاص الثقفي: «واتخذ مؤذناً لا يأخذ(١) على أذانه أجراً»، وإلى ما روي عنه # أنه قال لمن علم رجلاً سورة من القرآن فأهدى إليه قوساً: «إن أردت أن يقلدك الله قوساً من نار فاقبلها»(٢)، وإلى ما يروى عن علي # أنه قال لرجل: (إني أبغضك؛ لأنك تبتغي على الأذان أجراً(٣)، وتأخذ على تعليم القرآن أجراً).
  قيل له: لسنا نسلم أن الحج لا يصح من الحاج عن المحجوج عنه إلا إذا قصد به القربة؛ لأنه لو لم يقصد به إلا الانتفاع بالأجرة لصح حجه عن المحجوج عنه، ولم يمتنع ذلك في الذمي لما ذكرت، وإنما امتنع لأنه ممن لا يصح إحرامه، فكان استئجاره على الحج بمنزلة أن يستأجر الإنسان على ما لا يصح فعله منه، على أنه لا يستحق الأجرة، وتكون الأجرة باطلة، يكشف ذلك أن كثيراً من القرب تصح من الذمي، نحو الصدقة على المسلمين، وحفر البيار، وبناء القناطر، ومعونة المسلمين على الجهاد، وإنما لا يصح منه القرب التي يكون شرط صحتها الإسلام، يبين ذلك أن نكاح الذمي المسلمة لا يصح وإن لم يكن ذلك لأمر يرجع إلى القربة. على أنه لا يمتنع أن يستحق الإنسان الأجرة على ما يتقرب به إلى الله تعالى، بأن يشغل نفسه بكتب المصاحف للأجرة ليكون شغله بالقرآن، وليعود ما يحصل له من الأجر على عياله أو يصرفها في وجوه
(١) في (أ): لا يتخذ.
(٢) أخرج نحوه أبو داود (٢/ ٤٧١) وابن ماجه (٢/ ٧٣٠).
(٣) الذي تقدم: ولكني أبغضك في الله؛ لأنك تتغنى في الأذان ... إلخ.