كتاب الحج
  فإن قيل: فهذا لا يصح(١) على أصلكم؛ لأن عندكم أن من كان فقيراً غير واجد للاستطاعة يجوز له أن يحج عن غيره وإن لم يكن حج عن نفسه، وهو وإن لم يلزمه الحج فهو في منزلة من لزمه إذا حضر الحرم والميقات.
  قيل له: عندنا إذا خرج لغيره بماله لم يلزمه فرض نفسه، ويكون حاله كما كان وهو في منزله، فلا يعترض ذلك قياسنا، ويكون الكلام بيننا وبين أصحاب الشافعي في بيان أن الفقير الذي لا يجد الزاد والراحلة إذا حضر الميقات لغيره بمال الغير لا يلزمه الحج، ويبين(٢) ذلك بقوله(٣) تعالى: {وَلِلهِ عَلَي اَ۬لنَّاسِ حَجُّ اُ۬لْبَيْتِ مَنِ اِ۪سْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاٗۖ}[آل عمران: ٩٧]، [وقد ثبت أن الاستطاعة منها(٤) الزاد والراحلة، وهذا لم يستطع إليه سبيلاً](٥)، فوجب ألا يلزمه. وأيضاً لا خلاف بيننا وبينهم أن من قد حج يصح أن يستأجر للحج عن الغير وهو في منزله، فكذلك الفقير الذي لم يحج، والمعنى أنه مسلم لا حج عليه مع صحته منه، فإذا ثبت ذلك فلا قول بعده إلا قولنا.
  ويجوز أيضاً أن نقول: إن ذلك إذا ثبت أنه ورد(٦) الميقات فقد لزمه الحج عن الغير بحكم الإجارة، فلا يصح أن يلزمه إذاً الحج عن نفسه، لاستحالة أداء حجتين في سنة واحدة، فإذا لم يلزمه ذلك صح مضيه في حج غيره، كما صح ممن قد حج. على أنه لا خلاف أن من كان من أهل الميقات والحرم لا يلزمه الحج إلا بوجود الزاد والراحلة، فلو عينا المسألة فيمن لا يملك شيئاً كان لا إشكال في أنه لا يلزمه الحج عن نفسه، وإذا صح ذلك فيمن ذكرناه فلا فصل بينه وبين الفقير
(١) في (أ): فهلا يصح.
(٢) في (ج): فيبين.
(٣) في (د): قوله.
(٤) في (ب، د): هي.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ج).
(٦) في (ب): بورود. وفي (د): وورد.