شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في النذر بالحج وما يتعلق به

صفحة 606 - الجزء 2

  ÷: «يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذا صدقة، ثم يقعد يتكفف الناس، خير صدقة ما كان عن ظهر غنى»⁣(⁣١)، ألا ترى أنه ÷ رده عليه بعدما جعله صدقة، فبان أن ذلك لم يكن قربة، وإذا لم يكن قربة للوجوه التي ذكرناها لم يتعلق النذر بجميع ما يملكه، ويتعلق ببعضه، فوجب أن ينصرف إلى الثلث مثل الوصية، وقياساً عليها، والعلة⁣(⁣٢) أنه أمر إذا علق بجميع المال تعلق ببعضه، فوجب أن ينصرف إلى الثلث، أو يقال: إنه إخراج مال موضوعه للقرب، ولا يلزم إلا بإلزام رب المال، فوجب أن يقصر على الثلث؛ دليله الوصية.

  وليس لهم أن يمتنعوا من الوصف للأصل بأنه موضوع للقرب؛ لجواز الوصية وإن لم تتعلق القربة بها⁣(⁣٣)، وذلك أنا قلنا: إن موضوعه للقرب، وإن لم نقل⁣(⁣٤): إنه قربة، وموضوع الوصايا للقرب وإن جاز فيها ما ليس بقربة.

  فإن قاسوه على الإقرار كان ذلك شاهداً لنا؛ لأن الإقرار لما لم يجب انصرافه عن الكل إلى البعض لم يجب تعلقه بالثلث، وكذلك لما لم يكن موضوعه موضوع القرب لم يتعلق بالثلث. على أن الإقرار ليس هو ابتداء إيجاب، فلم يجب أن يكون حكم النذر حكمه⁣(⁣٥)، ألا ترى أن الإقرار إنما هو إخبار عن وجوب⁣(⁣٦) متقدم، والنذر إيجاب مبتدأ؟ وهو بالوصية أشبه منه بالإقرار.

  على أنه قد حكي عن أبي حنيفة أنه قال: إن قال: «مالي في المساكين صدقة» انصرف ذلك إلى ماله الذي تجب فيه الزكاة، وقد حكي عنه أنه يتصدق بماله كله، ويمسك منه مقدار قوته، فإذا أفاد مالاً تصدق بمثل ما كان أمسك، وأي


(١) شرح مختصر الطحاوي (٢/ ٣٥٤).

(٢) في (أ): فالعلة.

(٣) في (أ): بها القربة.

(٤) كذا في المخطوطات. ولعل الصواب: ولم نقل.

(٥) في (ب): أن يكون للنذر حكمه.

(٦) في نسخة في (أ، د): حق.