شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في النذر بالحج وما يتعلق به

صفحة 605 - الجزء 2

  وقلنا: إن حكم الفرس في ذلك حكم العبد والأمة لوجهين: [أحدهما]⁣(⁣١): أنه عندنا⁣(⁣٢) لا يؤكل لحمه، فجرى مجرى العبد والأمة في أنه لا يهدى به.

  والثاني: أن من يرى أكل لحمه أيضاً لا يجعله مما يهدى أو يضحى به.

مسألة: [فيما يجب على من جعل ماله في سبيل الله أو هدايا إلى بيت الله]

  قال: فإن قال: «جعلت مالي في سبيل الله أو هدايا إلى بيت الله» وجب عليه تصريف ثلث ماله في الوجه الذي ذكره له، وله أن يمسك ثلثيه.

  وهذا منصوص عليه في الأحكام⁣(⁣٣)، ومروي فيه عن القاسم #.

  ووجهه: أنه لا خلاف في أن النذر لا يتعلق بما لا يكون قربة، وقد ثبت أن إخراج الرجل جميع ما يملكه لا يكون قربة، بل يكون محظوراً؛ لأنا نعلم من دين المسلمين أنهم لا يختلفون فيمن تصدق بجميع ماله حتى لا يتبقى ما يكسو به عورته ويسد جوعته ويكفي عيلته أنه لا يحمد على ذلك، بل يذم، يعرف ذلك من حال العقلاء أجمع، وقد نبه الله تعالى نبيه على الإنفاق من غير إسراف، ونهاه عن الإقتار، وقد مدح الله سبحانه من وقف بين ذلك فقال: {وَالذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يُقْتِرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَاماٗۖ ٦٧}⁣[الفرقان]، ولا يجوز أن يمدح الله سبحانه أحداً على الانصراف عن فعل القرب، فعلم أن الإفراط في إخراج ما يملك لا يكون قربة.

  وروى أبو بكر الجصاص بإسناده عن جابر قال: كنت عند النبي ÷ إذ جاءه رجل بمثل البيضة ذهباً فقال: يا رسول الله، أصبت هذا من معدن، فخذه فهو صدقة، ما أملك غيرها، فأعرض عنه ÷، ثم أتاه من قبل يمينه فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم أتاه مرة، فأخذها ÷ فحذف بها، ثم قال


(١) ما بين المعقوفين من (ب، د).

(٢) في (أ، ج): عنده #.

(٣) الأحكام (١/ ٣٠٦).