شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في اللواتي يحل ويحرم نكاحهن

صفحة 8 - الجزء 3

  محرمة مبهمة التحريم»⁣(⁣١). فقطع في هذا الموضع ما كان توقف فيه في الموضع الأول، ونص عليه، وهذا يدل على أنَّه حين ذكر المسألة أولاً كان متوقفاً، وحين ذكرها ثانياً كان قاطعاً، فكان المذهب ما قطع به دون ما توقف فيه.

  وإلى هذا ذهب عامة الفقهاء. وحكي عن بعض الصحابة⁣(⁣٢) أن أم المرأة لا تحرم إلاَّ بالدخول على ابنتها، وإليه ذهبت الإمامية.

  والأصل في ذلك قول الله ø في ذكر التحريم: {وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ ...} الآية، فأطلق التحريم في أمهات النساء، وجعله في بناتهن بشرط الدخول.

  فإن قيل: إن من حكم الشرط إذا ورد عقيب جملة من الكلام أن يرجع إلى جميعها، وإذا كان كذلك فالواجب أن يكون الشرط راجعاً إلى أمهات النساء كرجوعه إلى بناتهن.

  قيل له: يجب رجوع الشرط إلى جميع ما تقدم إذا كان مما يصح رجوعه إليه، فأما إذا استحال ذلك فلا يجب، ويجب رجوعه إلى ما يصح من الجملة، وقد علمنا أن قوله: {مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ} فلا⁣(⁣٣) يجوز أن يرجع إلى أمهات النساء، بل يستحيل ذلك؛ لأن الأمهات لا يكنَّ منهن، فلا يصح ذلك، وإنما تكون بناتهن منهن؛ لأن «من» هاهنا لابتداء الغاية؛ لأن «من» مبني على ثلاثة أوجه:

  للصلة، كما قال تعالى: {يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ}⁣[نوح: ٤] والمعنى ذنوبكم.

  و «من» لابتداء الغاية، كما قال: {مِن شَٰطِيِٕ ٱلۡوَادِ}⁣[القصص: ٣٠].

  و «من» للتبعيض والتمييز كما تقول: هذا ثوب من خز.


(١) الأحكام (١/ ٣٢٨) بلفظ: لأنها محرمة مبهمة مجمل تحريمها.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة (٣/ ٤٨٤).

(٣) ظنن في (د) بـ: «لا».