كتاب النكاح
  فإذا ثبت ذلك صح ما قلناه من أن رجوع هذا الشرط إلى الأمهات لا يصح، فوجب إبهام تحريمهن على ما اقتضته الآية.
  فإن قيل: ما أنكرتم أن تكون «من» هاهنا دخلت للتبعيض، فكأنه تعالى قال: من جملة نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فلا يستحيل أن يكون راجعاً إلى الأمهات.
  قيل له: هذا لا يصح؛ لأن «من» إذا كان دخوله(١) هاهنا للتبعيض فتقدير الكلام: وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، على سبيل التقديم والتأخير، ولو كان ذلك كذلك لوجب أن يرجع الشرط إلى أمهات النساء فقط دون الربائب؛ لأن «من» إذا كان(٢) للتبعيض فيجب أن يكون الذي دخل عليه من جملة ما تناوله الاسم، ألا ترى أنا إذا قلنا: «هذا البيت من شعر فلان» فيجب أن يكون شعر فلان مشتملاً على ذلك البيت، وقد أجمع الجميع على أن الشرط راجع إلى الربائب وإن اختلفوا في الأمهات، ولا يصح ذلك إلا بأن تكون «من» لابتداء الغاية، فصح ما قلناه.
  فإن قيل: فقد روي عن علي # أنَّه جعل أمهات النساء في هذا الباب بمنزلة بناتهن(٣).
  قيل له: إن الأصح عندنا عنه # خلافه؛ إذ قد روى عنه زيد بن علي $ ما نذكره بعد هذه المسألة.
  ويدل على ذلك: ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ÷ قال: «إذا تزوج الرجل بالمرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فله أن يتزوج ابنتها وليس له أن يتزوج أمها»(٤).
(١) في (أ، ج): دخولها.
(٢) في (أ، ج): كانت.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٣/ ٤٨٤).
(٤) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٢٥٩).