شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في اللواتي يحل ويحرم نكاحهن

صفحة 17 - الجزء 3

  النكاح إذا وقع منهياً عنه فهو غير صحيح؟

  قيل له: هذا يفسد من وجهين: أحدهما: أن الأظهر عند أصحابنا أن النهي يدل على فساد المنهي عنه، وأنه لا يقع موقع الصحيح، فعلى هذا الوجه يسقط هذا السؤال. ويوضح هذه الطريقة ما عرف من أحوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يومنا هذا أنهم كانوا يفزعون لإفساد العقود والعبادات بوقوعها على وجه قد نُهي عنه، كما روي ذلك في الربا وبيع الغرر ونكاح المحرم والاغتسال بما قد بيل فيه.

  والوجه الثاني: لا خلاف في أن وقوع المنهي عنه إذا كان على وجه أخل بشرط جعله الشرع شرطاً في صحة ذلك الأمر أنه لا يقع موقع الصحيح، والآية قد دلت على أن إيمانها شرط في صحة نكاح المسلم إياها بقوله: {وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ}⁣[البقرة: ٢٢١] فنبه سبحانه على أن الإيمان شرط في صحة نكاحهن، فإذا لم يحصل الشرط يجب أن يقع فاسداً.

  فإن قيل: فهذا وارد في المشركات، فمن أين لكم أن حكم الذميات حكمهن؟

  قيل له: اسم الشرك لا يستعمل في الشرع على ما تفيده اللغة؛ لأن ذلك لو كان كذلك لجاز أن يقال للمؤمن: إنه مشرك إذا أشرك غيره في سلعة أو عمل أو نحوهما، ولما لم يجز ذلك عُلم أنه قد جعل في الشرع اسماً لكل من جحد النبوة، فكل من كان كذلك فاسم الشرك⁣(⁣١) يتناوله بإطلاق الشرع. على أن الله تعالى قد وصفهم بأنهم مشركون بقوله: {ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ...} [إلى قوله تعالى: {عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٣١}]⁣(⁣٢) [التوبة] على أنه لا خلاف في قوله سبحانه: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ


(١) في (د): المشرك.

(٢) ما بين المعقوفين من تعليق ابن أبي الفوارس.