كتاب النكاح
  بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا}[الممتحنة: ١٢] أنه ليس المراد به مقصوراً على ألاَّ يثبتن لله سبحانه شريكاً، بل كان المراد أن يؤمنَّ بالنبي ÷ وبجميع ما جاء به، فبان أن الجحد به وبما(١) جاء به من الشرك. على أنه لا خلاف بين المسلمين أنا لو تمكنا من بلاد الروم لقتلناهم؛ لعموم قوله تعالى: {فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ}[التوبة: ٥] مع كونهم نصارى كما نقتل أهل الأوثان، فبان أن اسم الشرك يتناولهم. على أن الدلالة لو رتبت في وثنية تهودت لسقط هذا الاعتراض؛ لأن الله سبحانه قال: {وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ}[البقرة: ٢٢١] وهذه مشركة لم تؤمن، بل تهودت، فالتحريم باق على حاله، وإذا ثبت ذلك في اليهودية التي كانت من قبل وثنية فلم يفرق أحد من المسلمين بينها وبين التي لم تزل يهودية.
  ويدل على ذلك: ما أخبرنا به أبو الحسين علي بن إسماعيل، قال: حدثنا ابن اليمان، قال: حدثنا ابن شجاع، قال: حدثنا معلى، عن عيسى بن يونس، عن أبي بكر بن عبدالله بن أبي مريم، عن علي بن أبي طلحة، عن كعب بن مالك أنه أراد أن يتزوج يهودية أو نصرانية فسأل النبي ÷ عن ذلك؛ فقال: «إنها لا تُحصنك».
  فليس يخلو المراد بالإحصان من أحد أمرين: إما أن يكون الإحصان الذي يستحق الزاني معه الرجم، أو إحصان العفاف، ولا يجوز أن يكون المراد به الإحصان الذي يستحق معه(٢) الرجم؛ لأن القول من النبي ÷ خرج مخرج التنفير عن هذا النكاح والتزهيد، ولا يجوز أن يزهد الإنسان في فعل إذا فعله كان معه أبعد من استحقاق القتل؛ لأن التنفير بمثله لا يصح من عاقل، فثبت أن [المراد به إحصان العفاف، وإذا ثبت ذلك لم يخل أن يكون المراد به أنه لا
(١) كذا في المخطوطات، ولعلها: له ولما.
(٢) في (د): به.