باب القول في اللواتي يحل ويحرم نكاحهن
  يكون مللاً مختلفة، ألا ترى أنا لا نقول: إن موسى وهارون ودواد وسليمان $ مللهم مختلفة؟ بل نقول: إنهم كانوا على ملة واحدة لما كانت شريعتهم شريعة واحدة لم تكن يخالف بعضها بعضاً على الوجه الذي ذكرناه، ولا يمتنع أن نقول: إن موسى وعيسى ومحمداً $ مللهم مختلفة؛ لما كان في شرائعهم الاختلاف على الوجه الذي ذكرناه وإن كان الجميع يجمعه اسم الإيمان والهدى.
  فإن قيل: فيلزمكم على هذا أن يكون المسلمون على ملل مختلفة؛ لأنهم مختلفون في الأصول والفروع.
  قيل له: معاذ الله من ذلك؛ فإنهم لم يختلفوا في أصول الشريعة، ولسنا نعني بالأصول ما قدرته، ألا ترى أنهم لا يختلفون في أن ما جاء به محمد ÷ ولم ينسخه حق، وكل ما ثبت من شريعته هو الذي يجب التمسك به، وإنما اختلفوا في تأويل ما صح عنه أو في صحة الشيء عنه، وليس كذلك حال اليهود والنصارى؛ فإن مخالفة بعضهم لبعض على حد مخالفة المسلمين لهم ولكل واحد منهم، ومخالفتهم ومخالفة كل واحد منهم للمسلين، فبان ما ادعيناه من أن مللهم مختلفة، وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله: {وَقَالَتِ اِ۬لْيَهُودُ لَيْسَتِ اِ۬لنَّصَٰرَيٰ عَلَيٰ شَےْءٖ وَقَالَتِ اِ۬لنَّصَٰرَيٰ لَيْسَتِ اِ۬لْيَهُودُ عَلَيٰ شَےْءٖ}[البقرة: ١١٣] ولا يجوز أن نحمله على أنه تعالى نبهنا على ما علمناه ضرورة، فإذاً هو تنبيه على اختلاف أحكامهم التي لا تعرف إلا شرعاً.
  فإن قيل: فقد قال الله تعالى لنبيه ÷: {قُلْ يَٰأَيُّهَا اَ۬لْكَٰفِرُونَ ١ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ٢} إلى قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِۖ ٦} فجعل ما هم عليه ديناً واحداً، فدل على أنه ملة واحدة.
  قيل له: تسمية جميع ذلك بما ذكرتموه لا يدل على ما ذكرتموه وعلى أنه ملة واحدة، ألا ترى أنه قال لنبيه ÷ بعد ما عد أنبياءه الماضين: {أُوْلَٰٓئِكَ اَ۬لذِينَ هَدَي اَ۬للَّهُ فَبِهُدَيٰهُمُ اُ۪قْتَدِهْۖ}[الأنعام: ٩٠] فأجرى سبحانه ما كانوا عليه مجرى هدى