شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب النكاح

صفحة 25 - الجزء 3

  واحد، ولم يمنع ذلك من أن يكون لهم ملل مختلفة، فلا وجه لامتناع من يمتنع من أن مللهم $ يجوز أن تختلف؛ لأن الملة اسم للشريعة، وهي مأخوذة من الإملال الذي هو الإملاء، ولا خلاف أن شرائع كثير منهم قد اختلفت، ولهذا لم يمتنع كثير من أصحابنا المتكلمين من إطلاق القول في المجبرة والمشبهة مع ثبوت كفرهم أنهم من أهل ملتنا؛ لانتحالهم شريعتنا، ولا أحفظ خلافاً في أن الفاسق يقال له: من أهل ملتنا، وإن كان لا يجري عليه اسم الإيمان.

  ومما يدل على ذلك: ما رواه أبو بكر الجصاص في شرحه مختصر الطحاوي بإسناده عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ÷: «لا تجوز شهادة ملة على ملة، إلا ملة الإسلام فإنها تجوز على الملل كلها» فأثبت النبي ÷ بظاهر قوله ثلاث ملل؛ لأن الملل جمع ملة، وأقل الجمع يجب أن يكون ثلاثة، وهذا نص ما ذهبنا إليه؛ لأن من يخالفنا يقول: إنه ليس غير ملتين: ملة الإسلام، وملة الكفر، فإذا وجب إثبات ملة ثالثة لظاهر قول النبي صلى الله وآله وسلم ثبت أن الكفر ملل.

  فإن قيل: ما أنكرتم على من قال لكم إنه أطلق لفظ الملل وأراد ملتين، فعبر عن الاثنين بلفظ الجمع؟

  قيل له: حقيقة الجمع لا تكون لأقل من ثلاثة، وإنما يجري لفظ الجمع على الاثنين على طريق المجاز؛ فإذا كان هذا هكذا لم يصح ما قالوه؛ لأنه يؤدي إلى صرف قوله ÷ عن الحقيقة إلى المجاز.

  فإن قيل: ألستم تقولون: إن من انتقل إلى التهود أو التنصر أو التمجس خُلِّي بينه وبين ما صار إليه؟ فكيف تقولون: إن الكفر ملل مختلفة؟

  قيل له: إن الإكراه والقتل لا يتعلق بالانتقال من ملة إلى ملة فقط حتى يكون للملة التي انتقل عنها صفة والملة التي انتقل إليها صفة، وأن تكون التي انتقل عنها ملة الإسلام، ألا ترى أن من انتقل من ملة الكفر إلى ملة الإسلام لا يمنع