باب القول في اللواتي يحل ويحرم نكاحهن
  مِنكُمْ}[النور: ٣٢] ومتى ما حملنا ما ذكرناه على الإباحة حملناه على التكرير ولم نجعل له فائدة، وإذا حملناه على الوجه الذي ذكرنا جعلنا له فائدة، وحمل الآية على وجه يفيد أولى من حملها على التكرير، وإذا ثبت أن حملها على هذا الوجه أولى ثبت أن عدم الطول شرط في استباحة نكاحهن.
  وعلى هذه الطريقة يستدل بقوله تعالى: {ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ اَ۬لْعَنَتَ مِنكُمْۖ}[النساء: ٣].
  فإن قيل: فقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْۖ}[النساء: ٣] يدل على التخيير بين الحرة والمملوكة في عقد النكاح، وفي هذا صحة ما ذهبنا إليه وفساد مذهبكم.
  قيل له: الآية لا ظاهر لها، فلا يصح التعلق بها، وذلك أن التخيير لا يصح بين واحدة وبين ما ملكت اليمين؛ لأن التخيير لا يصح بين الشيئين إلا إذا لم يكن أحدهما داخلاً في الآخر، ألا ترى أنه لا يصح أن يقال: رأيت اليوم رجلاً أو شبحاً؛ لأن قولنا: شبحاً ينطوي على(١) قولنا: رجل، وإنما يصح أن يقال: رأيت رجلاً أو امرأة، فإذا كان ذلك كذلك فقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْۖ} يتضمن قوله: {وَٰحِدَةً} فلا يصح التخيير، فلا بد من أن يقدر فواحدة حرة حتى يستوي ما ادعوه، وإذا ثبت ذلك فلنا أن نقول إن تقديره: فواحدة أو وطء ما ملكت أيمانكم، وإذا حصل في جانب كل واحد ما مر من التأويل حصل التساوي وبطل تعلقهم بالآية. على أنه لا يمتنع أن يكون تعالى أراد بقوله جل ذكره: {فَانكِحُواْ} العقد في الحرائر والوطء في الإماء، فيحمل في الإماء على الوطء، وفي الحرائر على العقد، فيبطل التخيير الذي ادعوه، وهكذا قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اَ۬للَّهَ يَسْجُدُ لَهُۥ مَن فِے اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِے اِ۬لْأَرْضِ
(١) لعلها: عليه.