كتاب النكاح
  وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}[الحج: ١٨] فأراد بقوله: {يَسْجُدُ} ظهور آثار الذل والخضوع فيما ذكره من الجمادات والبهائم، والسجود المخصوص فيما ذكر من كثير من الناس؛ لأنه لا يجوز أن يكون أراد السجود المخصوص فيما ذكر من الجمادات والبهائم؛ لأن ذلك لا يتأتى منها ويستحيل، ولا يجوز أن يكون أراد ظهور آثار الذل والخضوع من كثير من الناس، لأنه لو أراد ذلك تعالى من الناس لقال: والناس، ولم يقل: {وَكَثِيرٞ مِّنَ اَ۬لنَّاسِۖ}؛ لأن آثار الذل والخضوع ظاهرة من جميع الخلائق، والناس وغيرهم في ذلك سواء.
  فإن قيل: فنحن نحمل قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَنْ يَّنكِحَ اَ۬لْمُحْصَنَٰتِ} على الوطء، فكأنه سبحانه قال: ومن لم يستطع منكم وطء الحرائر لأنه لا يملك بضع واحدة منهن فمما ملكت أيمانكم.
  قيل له: هذا صرف للآية عن ظاهرها؛ لأن النكاح عندنا حقيقة في العقد، فلا يصح التعلق به.
  ولا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة أنه إذا كان تحته حرة لم يجز له التزوج بالأمة، فكذلك إذا تمكن من نكاحها، والعلة أنه قادر على الحرة فوجب ألا يجوز له نكاح الأمة، والأصول تشهد لصحة علتنا؛ لأن القدرة على تحصيل الشيء تجري مجرى حصوله؛ ألا ترى أن التيمم لما لم يجز مع وجود الماء لم يجز مع التمكن من الوصول إليه، وكذلك الصيام لما لم يجز في كفارة القتل والظهار مع وجود الرقبة لم يجز مع تمكن الوصول إليها.
  ويمكن أن يقال: هو حر غني عن استرقاق ولده، فوجب ألا يجوز له ابتداء نكاح الأمة؛ دليله لو كانت عنده حرة.
  وقياسنا أولى من قياسهم واجد الطول على من لم يجده بعلة أنه غير مالك